وفاء بنت سالم
عزيزتي أ
أعتقد آن أوان المحرقة العظمى.
لا شيء يدفعنا لنستمر بالكتابة غير بذاءة الحياة التي تضم أوجه عدة.
أنا اليوم أضحك ملئ فمي وأنا أردد: من أنا لأخيب ظن الذين راهنوا على سقوطي باكرًا ؟.
أن يكتب لك أحدهم بأنك شخص محظوظ لأنك تجيد الكتابة ،لهي دُعابة الحياة فينا.
أي حظ تملكه اُنثى مثلي أجهشت بكل عيوبها على اللغة، وما عادت تخبئ تشوهاتها ،ولا عادت تشعر بالخجل منها.ورغم ذلك لا زالت تحاول أن تجد لنفسها ظهرًا تحتمي به. هل تصدقين كل تلك الشعارات التي تتحدث عن نصرة الأنثى؟
عن دعمها، والوقوف بجانبها؟
اليوم أستطيع أن أقول بأن هذا النصرة وجدت مع من ولدوا على صهوةِ الطبقة المخملية، أو من تسلح بالعلم منذ البدء، من وقف معها ذويها لجعلها مميزة، صدقيني إن لم يقف مجتمعك معك، لن يقف معه الاخرين، إن لم ينتصر لك يأخذ بيدك، يساعدك على تخطي العقبات فلن تجده مع الآخرين.
ستقولين انت فتاة قوية، محاربة لا تمل ولا تكل.
أجيبك لقد استباح مجتمعي قوتي، طموحي، أحلامي، لقد قيدوني بإسم الرب والعار.
كل يوم أستيقظ فيه، أزيل غمش اليوم الغائت يخبرني ان لا شيء يا عزيزتي سيحدث يزيح عبء الأفكار التي تأكلني.
اني ولدت يا عزيزني كيف ابحث عن المعرفة، أتعلم وأتعلم وأكتب، ولكني ولدت بلا حظ، قالتها امي :ولدت بندوب في رأسك، بجسد هزيل، اي حظ تعس ولد معك.
وسمعتها بعد ذلك من أشخاص عدة، تماما كما قال لي والدي :لا أستطيع إرسالك إلى الدراسة في البحرين حتى لا يقال زوج اختها وبعث بالأخرى للدراسة. كيف يمنح الآخر نفسه حق ربط مستقبلك بالآخرين، وكيف اني صرت بعدها أضعف من أن افك هذا الرباط، ولأقل بأني كنت استبدله فمثلما قيدت بها في صغري قيدت نفسي بها بعد 25 عاما مع الحياة الأخرى التي كذلك توجهت لها منعًا لكلام الناس.
ما الذي يحتاجه المرء يا عزيزتي حتى يستطيع أن يكون هو؟
ولما لا يستطيع المرء أن يحصد العلم حتى يبني وطنه دون أن يدفع المال ؟
أسئلة تسيطر علي يا عزيزتي وكلما اتسعت رقعتها زاد عدد الشعيرات البيضاء في رأسي.
هل أنا عدوة نفسي يا عزيزتي؟
هل أنا من يحاصرني، أشد القيود علي؟
هل أنا قتلاي، ضحاياي ؟
هل أنا مصابة بمرض لا شفاء منه؟
هل اُعاني من عقد عدة؟
أتعلمين يا عزيزتي، لقد كتب لي أحدهم :نحن نعيش السعادة والمتعة، متعة الحياة عبر ما تكتبونه لنا ،فأنتم تعيشون في سعادة لذلك تكتبون.
كتبت له :من قال لك أن الكاتب شخص سعيد ؟
هل تعرف معنى أن تكون سعيداً؟.
أي حبل هي الكتابة يا عزيزتي واي لعنة؟.
أنا لا احب الكتابة يا عزيزتي، اذكر اني حين كتبت اول نص كنت مصابة بالخوف، الخوف من حلم ظل يلاحقني وانا طفلة، لذلك كان أن كتبته.
أنا لا احب الكتابة، لكنها كالحبل مدت أطرافها وأعدت لها وتد هو أنا وبدأت بنشر كل شيء عليه، هل فهمت ما أعنيه؟
أنا لا احب الكتابة لكنها تخمشني لأكتب ما اكتب ،تطرق أصابعي ،ذاكرتي ،روحي وفمي. وكأني لو فكرت التوقف لسوف تحولني إلى أشلاء.
كأنها ترفع ذراعي المشوهة نحوي لتقول لي، انا نجاتك مما انتِ فيه، هيا إلتقطي الحرف واضربِ به الوتد وعلقي على حبله كلماتك.
لا احب الكتابة ولكني لا أستطيع الفرار منها.
لم أكن شيئا بها ولم أكن شيئا قبلها، إنها الجلاد يا عزيزتي، الجلاد الذي لا تضيع سياطه ابدًا بل تتجدد بنا.
وكأن الكتابة الآن شيطان بعت روحي له.