فــايزة محمد
لم تعد مواقع التواصل الاجتماعي كـ ” تويتر ” و ” الفيس بوك ” و ” اليوتيوب ” وغيرها ساحةً لتبادل الآراء والأفكار واستعراض المناسبات الاجتماعية واليوميات الشخصية فقط؛ وإنما غدت بعد سنوات من إنشائها ساحة مفتوحة للمعارك الالكترونية بين الدول والمنظمات والأحزاب والمؤسسات المختلفة، تستخدمها للدفاع عن أفكارها وتوجهاتها وسياساتها، بالإضافة إلى مواجهة أعدائها بطرق مختلفة، منها: تشويه أفكارها والسخرية من مبادئها وقياداتها وتزييف الأخبار ونشر الشائعات عنها.
فمن كان يتصور أن يكون ” الفيس بوك ” هو السلاح الأبرز الذي أُستخدم لإسقاط الرئيس المصري محمد حسني مبارك في فبراير سنة 2011 م !!!، ومن كان يتصور أن يُحرّك هذا التطبيق الذي تأسس سنة 2004 م بواسطة مارك زوكربيرغ الساحات الشعبية للتظاهر ضد الأنظمة في ليبيا وسورية واليمن فيما عُرف بـ ” الربيع العربي ” سنة 2011 م عن طريق دعوة الجماهير وخاصة الشباب منهم إلى التظاهر، وكذلك استخدامه في بث الشائعات عن مذابح في هذه الساحة أو تلك ونشر الأخبار الكاذبة عن انشقاقات وهمية لمسؤولين وضباط كبار في النظام!!! وغيرها.
ولعل القُراء يتذكرون أن الأزمة الخليجية بدأت أولى معاركها في “تويتر” عن طريق آلاف المعرّفات التي ظهرت فجأة وبدأت تهاجم بقوة أحد أطراف الأزمة قبل أن يتفاجأ الجميع بقطع العلاقات الدبلوماسية والمقاطعة التي لا زالت مستمرة – للأسف – حتى كتابة هذه السطور، كما كان ” تويتر ” هو المكان المفضل لتجنيد الإرهابيين في الجماعات الدينية المتطرفة كـ داعش وغيرها.
هذه المعارك التي تتخذ من مواقع التواصل الاجتماعي ساحة لها يعتبرها الخبراء ضمن أحد اركان ” حروب الجيل الرابع ” التي تستخدم فيها هذه المواقع من أجل تشويه صورة الآخر وبث الشائعات عنه من أجل ضرب نسيجه الاجتماعي وبث روح اليأس والقنوط فيه وتحطيمه داخليا.
ويُعرّف الكاتب إبراهيم خليفة في كتابه ” حروب مواقع التواصل الاجتماعي ” المعارك الالكترونية بأنها: ” استخدام الشبكات الاجتماعية لجذب اهتمام الرأي العام، سواء المحلي أو الإقليمي أو الدولي، أو محاولة التأثير عليه أو توجيهه أو تضليله، عبر وسائل التواصل الحديثة، سواء كانت مواقع إنترنت أو تطبيقات هاتفية للتواصل الاجتماعي، خلال فترة زمنية معينة، مدفوعا بعوامل سياسية أو عسكرية ” (المصدر ص 85).
ومن الأسلحة التي تستخدم في هذه الحروب بشكل قوي الهاشتاجات، وتحرص الكتائب الالكترونية على المشاركة فيها بقوة ؛ من أجل تضليل الرأي العام أو إعادة توجيهه إلى الطرف المضاد.
وقد لوحظ في الفترة الأخيرة مشاركة بعض المغردين من أبناء السلطنة بالتغريد في بعض القضايا التي لا علاقة لبلادنا بها، سواء لصالح هذا الطرف أو ذاك. والتغريد بالانحياز في هذه القضايا يعتبر في حد ذاته مشاركة في هذه المعارك الالكترونية، ويُخالف النهج السياسي العماني الذي يتمثل في عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. كما أن التغريد المنحاز ربما يُدخل المغرد في إشكالات هو في غنى عنها، ولذلك فمن الأسلم الالتزام بالمبادئ السامية للسلطنة، وعدم الخوض في هذه المعارك، إلا إذا كان التغريد للدعوة إلى السلام والمحبة.
ان مواقع التواصل الاجتماعي للأسف الشديد غدت تدعو إلى التقاطع أكثر من التواصل، وباتت ساحة خصبة للفتنة والعداوة ومرتعا للكذب والتحريض ونشر الشائعات، ولذا فمن الأهمية بمكان الحرص أن تكون مشاركتنا في هذه المواقع إيجابية وليست سلبية، ندعو إلى المحبة والسلام وصفاء النفوس، وندافع عن وطننا وتاريخنا وتراثنا بموضوعية واتزان، ونبتعد عن مواطن الفتنة، ونحرص على أن لا نكون سلاحًا بيد الآخرين.