المحامي أحمد بن حسن بن إبراهيم البحراني
صدر في الرابع والعشرين من أبريل لعام ٢٠٢٥م المرسوم السلطاني رقم ٤٣ / ٢٠٢٥، بإصدار قانون الصحة العامة، ليشكل خطوة نوعية في البنية التشريعية لسلطنة عمان في مجال حماية وتعزيز الصحة العامة. وقد جاء هذا القانون بعد مراجعة عدد من القوانين والنظم السابقة ذات الصلة، وهو ما يعكس الرغبة في توحيد المرجعيات التنظيمية الصحية وتطويرها بما يتوافق مع المعايير الدولية.
أولًا: الرؤية العامة للقانون
يهدف القانون إلى إرساء منظومة تشريعية شاملة ومتكاملة تعنى بالصحة العامة في معناها الواسع، سواء من حيث الوقاية أو العلاج أو التأهيل. ويُلاحظ من قراءة مواده أنه لا يقتصر على الخدمات الصحية التقليدية، بل يتعداها إلى تنظيم العلاقة بين الصحة والبيئة، والغذاء، والعمل، والمجتمع، ويعزز الدور التوعوي والتثقيفي والوقائي، وهو ما يتماشى مع توجهات الصحة العالمية الحديثة.
ثانيًا: أبرز الملامح التشريعية
من خلال مواد القانون، يمكن الوقوف على مجموعة من المحاور الجوهرية:
1. حماية الحقوق الصحية: نص القانون صراحة على عدم التمييز في الحصول على الرعاية الصحية، وعلى كفالة خصوصية المعلومات الصحية.
2. تنظيم القطاع الصحي: وُضعت قواعد لاعتماد المؤسسات الصحية وتقييمها، سواء الحكومية أو الخاصة، لضمان الجودة وسهولة الوصول.
3. سلطة التدخل في الطوارئ: خوّل القانون وزير الصحة صلاحية استخدام أو إغلاق المؤسسات الصحية في حالات الطوارئ أو عند مخالفة الأنظمة، مما يبرز أهمية جاهزية الدولة في مواجهة الكوارث الصحية.
4. التعامل مع قضايا طبية معقدة: مثل الاستنساخ، وزراعة الأعضاء، والخلايا الجذعية، والإجهاض، وتحديد الجنس، حيث تم وضع قيود مشددة تحكم هذه العمليات وفق ضوابط شرعية وطبية.
5. الصحة النفسية: أفرد القانون نصوصًا خاصة بتنظيم الرعاية النفسية، وضوابط الدخول الإجباري للمؤسسات النفسية، وحقوق المرضى.
6. تعزيز الصحة البيئية والمهنية: عبر إلزام الجهات المختصة بوضع المعايير الصحية في مجالات المياه، الهواء، الغذاء، النفايات، والمواد الكيميائية.
7. الصحة المدرسية والطفل والمرأة: نص على توفير خدمات الرعاية الصحية للطلبة والأطفال والأمهات وذوي الإعاقة وكبار السن، وهو ما يعزز مبدأ الشمول في الرعاية.
ثالثًا: قراءة قانونية وتحليلية
القانون يعكس التزام الدولة بمبادئ أساسية كصيانة الكرامة الإنسانية، وضمان الحق في الصحة، ورفع جودة الحياة. ومن ناحية الصياغة، فإن القانون اتسم بالوضوح والتدرج المنطقي، كما خصص لكل محور صحي فصلاً مستقلاً، مما يسهل الرجوع إليه عند التطبيق.
غير أن بعض النصوص، كالمادة (٥) التي تمنح الوزير سلطة واسعة في إغلاق المؤسسات الصحية، تستوجب صدور لائحة تنفيذية تفصيلية لضمان التوازن بين مقتضيات المصلحة العامة وضمانات العدالة.
كذلك، فإن إقرار نظام الترصد الوبائي وتداول المعلومات الصحية يعكس نقلة نوعية في نهج الشفافية الصحية، مع الحفاظ على خصوصية الأفراد.
رابعًا: السياق العماني وأهمية القانون
يأتي هذا القانون في وقت تتزايد فيه التحديات الصحية على مستوى العالم، بدءًا من الأوبئة، إلى تلوث الغذاء والبيئة، والتغيرات الاجتماعية والنفسية. ويعكس توجه سلطنة عمان نحو الوقاية أولًا، والربط بين القطاعات المختلفة (الصحة، البيئة، التعليم، الاقتصاد)، ضمن إطار متكامل يعزز الحوكمة الصحية.
كما أن الربط بين القانون واللوائح التنفيذية التي تصدرها الجهات المختصة، يعكس اللامركزية والمرونة التشريعية، مما يُتيح لكل جهة أن تترجم نصوص القانون إلى سياسات عملية مناسبة لطبيعة اختصاصها.
خاتمة
قانون الصحة العامة الصادر بالمرسوم السلطاني رقم ٤٣ / ٢٠٢٥ يُعد خطوة تأسيسية مهمة في تعزيز الصحة بمفهومها الشامل. فهو لا يكتفي بتنظيم العلاج، بل يُعيد تعريف العلاقة بين الإنسان ومحيطه من منظور صحي وقائي وحقوقي. وعلى الرغم من الحاجة إلى صدور اللوائح التنفيذية لتفعيل عدد من مواده، إلا أن القانون نفسه يمثل انطلاقة استراتيجية تشريعية تتماشى مع رؤية عمان المستقبلية.