د. معمر بن علي التوبي*
أكاديمي وباحث عُماني
من خلال ما يمكن متابعته من أحداث عالمية وإقليمية تتمحور أغلبها في تحديات اقتصادية كبيرة عانت من ويلاتها جميع دول العالم بلا استثناء عطلّت النمو الاقتصادي، وعُمان بكل تأكيد جزء من هذا العالم الذي يمر بمثل هذه التحديات التي أرْخَتْ النمو الاقتصادي وقلصته، إلا أننا نستطيع أيضا أن نلاحظ عدم تقهقر الشغف الكبير الذي رسمه قائد البلاد وسلطانها حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله- والمتمثل في رؤية عُمان 2040 والتي تمضي قدمًا نحو تحقيق الأهداف المنشودة رغم التحديات والصعاب الحالية التي لا يمكن أن تتضح معالمها خلال فترة قصيرة -منذ انطلاق مشروع تنفيذ الرؤية- كونها تعمل لأجل نظام اقتصادي ومالي مستدام يمنح عطاءه للجيل الحالي ولأجيال قادمة.
هذه الرؤية تنطلق من خلال تكاتف جميع أبناء هذا الوطن، وأحد أنواع هذا التكاتف والمساهمة هو تحقق روح الوحدة والتلاحم الوطني، فالكل شريك في المنشط والمكره، وما قد يراه بعضنا اليوم تقليصًا أو انحسارًا في المميزات التي يستحقها كل فرد من أفراد الوطن إنما هي خطوات نضطر أن نقبلها في زمن مؤقت لنمنح أنفسنا استدامة طويلة الأمد، وكأن الحال يمكن أن يتمثل في تضحيات يمنحها البعض لأجل إنجاح واستثمار ما يتطلب بذل الجهد المادي والنفسي ليتحقق -بعد حين من الزمن وحسب الجدول الزمني المرسوم- ثمار هذا الجهد؛ ليأتي الزمن الذي يُجنى فيه ثمار ذلك الجهد، وهذا ما ينبغي أن نراه في الرؤية العمانية الراسخة.
ما يميز هذه الرؤية المستقبلية أنها رُسِمت بمشاركة وطنية واسعة، وأن لها رسالةً وأهدافًا محددة وواضحة من خلال ارتباطها بمؤشرات قياس الأداء، وهناك جهة ووحدة حكومية خاصة بملف متابعة تنفيذ وقياس أداء هذه الرؤية وعرض خطواتها وتقدمها للجميع؛ لهذا من السهل لكل متابع لهذه الخطوات المباركة أن يبصر مستقبلًا قريبًا مشرقًا واعدًا (بإذن الله).
رؤية عُمان 2040 تنطلق وفق عدد من المؤشرات -المعدّة لقياس أداء الرؤية- منها: زيادة بمعدل نسبة تصل إلى 90% في متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، وقد يجد البعض بعض المبالغة في هذه النسبة، إلا أن الرؤية تبنّت هذا الهدف المهم الذي ينطلق تدرجًا حتى يلامس الزيادة النسبية المذكورة التي قد تكون حلمًا لدى البعض نظراً للظروف والتحديات الاقتصادية الحالية والتحديات القادمة، ولكن مع محاولتنا لإدراك خريطة الرؤية العمانية وعناصرها بصورة كبيرة فإننا سنعي حينها كيفية الوصول لهذه الوجهة، والتي لا تقل أهمية عن المؤشرات الأخرى التي سنذكرها لاحقا، والتي أيضا لا تتحقق إلا بتحقق الأهداف الأخرى التي تعمل كنسيج واحد وبوجود المخلصين من أبناء هذا الوطن.*
المؤشرات الأخرى التي يُعمل عليها وعلى إنجازها؛ ستعزز من زيادة القيمة والنسبة المنشودة، ومن هذه المؤشرات الأخرى: الابتكار العالمي الذي تسعى الرؤية لتجعل عُمان من ضمن أفضل 20 دولة في العالم في هذا المجال، وكذلك تحقيق بلوغ عُمان لتكون من أفضل 10 دول العالم في مؤشر التنافسية العالمية- ركيزة المهارات، وزيادة معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 5%، وتحقيق نسبة 40% من نسبة القوى العاملة العمانية من إجمالي الوظائف في القطاع الخاص، وكذلك بلوغ 90% نسبة مساهمة القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي، وغيرها من المؤشرات الأخرى.*
وجدت من الضرورة التوضيح أن المتابعة المستمرة لسير أعمال تنفيذ هذه الرؤية من خلال القرارات والمشاريع والاستثمارات التي تخرج وتتحقق بوتيرة مستمرة تعطي المتابع لهذا الحراك الوطني صورة إيجابية مشرقة بأننا نتجه نحو مستقبل قوي يستند إلى مؤشرات وهيكلة إدارية صلبة، ولا يمكن أن نغفل ما لهذا التغيير من ضريبة تتمثل عند البعض في الخوف من القادم أو في الإحباط لمجرد عدم مواءمة الواقع الحالي بما يحمله من تحديات مع الواقع السابق. لا يتحرك التغيير في بدايته وفق أهواء الجميع ورغباتهم، ولا تظهر معالمه المقصودة، ولكن يمكن لمتابع خطوات هذه الرؤية أن يُدركَ أن التضحية في بداية أي تغيير متعبة للبعض ولكنها تستحق الاستمرارية والثبات، ولن تكون إلا سنوات قريبة قادمة تبدأ من خلالها الأهداف والمؤشرات المرسومة في التحقق بشكل تدريجي حتى تصل إلى المستوى المطلوب.*
الجميع شركاء في تحقيق هذه الرؤية من مؤسسات المجتمع المدني، والحكومة، والقطاع الخاص وعموم الأفراد، وهذه المسؤولية تتنوع وتتغاير من حيث المهام المنوطة والمطلوبة إلا أنها تشترك في مبدأ الإيمان بضرورة تحقق هذه الرؤية والتضحية بقبول متطلبات التغيير التي لا يعني بالضرورة -كما ذكرنا سابقًا- توافقها مع رغباتنا وطموحاتنا الحالية؛ فالنظرة مستقرة وموجهة إلى المستقبل القريب لضمان استدامة في جميع القطاعات الوطنية الحيوية مثل الاقتصاد والتعليم والصحة والبحث العلمي وبقية القطاعات الأخرى.
ما أحاول أن أعرضه هنا ليس تكرارًا لمفهوم هذه الرؤية المستقبلية وأسسها التي لها فريقها الخاص سواء من حيث متابعة تنفيذها وقياس أدائها ومن حيث شقها الإعلامي في عرض معالمها للجميع وتوضيحها، إلا أننا نرغب في زيادة قنوات التواصل الفعاّلة الذكية وأدواتها لإبراز سير تنفيذ هذه الرؤية الذي ينبغي أن يشمل تقارير قياس الأداء الدورية المدعومة بالأرقام والإحصائيات الدقيقة لكل ما يصل بهذه الرؤية وحُققَ على أرض الواقع؛ وهذه الأرقام والإحصائيات تحقق مفهوم الشراكة والثقة المتبادلة بين شركاء تنفيذ الرؤية. نحن الآن في بداية الطريق الذي سنمضيه معًا سعيًا لتحقيق رؤية وطنية مهمة، وتحملنا لهذه المسؤولية بكل ما تحويه من تحديات وظروف هو السبيل الأمثل لاستمراريتنا وثباتنا، حفظ الله عُمان وحفظ قائدها وشعبها.
*المؤشرات والنسب المذكورة موجودة في الوثيقة الرسمية لرؤية عُمان 2040 المنشورة في الحساب الرسمي لوحدة متابعة تنفيذ رؤية عُمان 2040.