شؤون عمانية- علياء الجردانية
“لو عرف أبوي أفعالي راح يقتلني”، هكذا بدأت فاطمة حديثها والخوف يسيطر عليها بعدما وقعت في فخ الابتزاز الإلكتروني.
فاطمة فتاة في عمر الزهور لم يتجاوز عمرها السادسة عشر، وتنتمي لأسرة محافظة ومتدينة ومتمسكة بالعادات والتقاليد العربية الأصيلة.
تحكي فاطمة بداية المشكلة قائلة: “بعدما نجحنا في المدرسة أراد أبي أن يكافئنا أنا وأخوتي بشراء أجهزة “آيباد” لكل واحد منا، ظنا منه أننا سنستثمر وقتنا في الإجازة الصيفية ونستفيد منه بشكل إيجابي”.
كانت فاطمة تسهر لأوقات متأخرة من الليل، تخوض غمار استكشاف مواقع التواصل الاجتماعي ومنها الـ”facebook” الذي كانت تقضي معظم أوقاتها في تصفحه.
كان “فيسبوك” هو بوابة التعرف على الجنس الآخر، فتعرفت على عدد من الشباب لم يتجاوز أعمارهم الرابعة عشر، فتارة تجرها العاطفة وتخوض في أحاديث رومانسية وتارة أخرى تنجر خلف الضحك والمرح والاستهزاء والتسلية مع أكثر من شاب.
فاطمة هي واحدة من مئات الفتيات اللاتي يقعن في فخ الابتزاز الإلكتروني قبل بلوغهن سن الرشد، حيث يُسلّم الآباء لهن الخيط والمخيط، يعوّلون على ثقتهم في تربية أبنائهم ومتجاهلين دورهم في الرقابة والمتابعة والتقرب منهن.
ذات يوم تعّرفت فاطمة على شاب التمست فيه الحنان والرأفة، أغرقها بكلام معسول مليء بالود، سارت خلف عاطفتها ولم تكن تعلم أنها قد وقعت في شباكه، وكان في ظنها أنها قد قضت معه أوقاتا طويلة في الحديث وهو أمر كاف للتعرف عليه، كما أنها أخضعته لعدد من الاختبارات للتأكد من صدق نواياه، هكذا كانت تفكر الفتاة.
ما هي إلا أيام ووقعت فاطمة فريسة في شباك ذئب بشري بعدما أعطته الثقة التامة: “كان يطلب مني أن أرسل له صوري الشخصية وأنا وثقت فيه ونفذت طلباته، فقد كان يوهمني بالزواج والعيش الرغيد معه، وفي مرات أخرى طلب مني التصوير بصور مخلة بالآداب فكنت أرفض ذلك رغم إلحاحه الدائم، فقد أكد لي أنه صادق معي ولا يريد أن يؤذيني فوثقت فيه مرة أخرى وأرسلت له ما يريد”.
في هذه المرحلة العمرية تفكر الفتيات بشكل تتحكم فيه العاطفة أكثر من العقل، وتنجذب الفتيات لمظهر الشاب الأنيق وكلامه المرتب والمعسول، تحكي فاطمة: “كنت أنجر خلفه دون وعي، فقد غرني مظهره وشكله الوسيم وكان يوهمني أنه يمتلك المال وأننا سنعيش حياة مرفهة سويا”.
لم يقتصر الأمر على الحديث عبر منصات التواصل الاجتماعي، وإنما انتقل الأمر لمرحلة أخرى متطورة وهي ترتيب لقاء في مكان عام، وبالفعل تم اللقاء ثم بعد ذلك طلب الشاب من فاطمة الخروج معه في سيارته.
بدأت فاطمة تنتبه لنفسها وتصحو من غفلتها: “بدأت أتدارك الأمر، وتذكرت أبي وأسرتي والعواقب التي تنتظرني، فرفضت الخروج معه في سيارته فتحول من شخص عطوف إلى وحش يهددني بنشر صوري على الإنترنت”.
خافت فاطمة من إبلاغ أهلها ولجأت إلى خالها كونه الشخص المقرب لها، والذي بدوره تفهم المشكلة وبدأ التواصل مع الشاب وهدده بإبلاغ الشرطة فتراجع الشاب عن فضح الفتاة خوفا من العواقب القانونية.
شعرت فاطمة بفرحة كبيرة وسعادة غامرة بعدما تراجع الشاب خوفا من القانون، وتعلمت الدرس القاسي، وتجلس فاطمة اليوم ممسكة هاتفها النقال تسترجع شريط الذكريات المؤلمة والتي تصفها بـ”العبرة” بعد أن نكّل بها الزمان، مؤكدة أنها صارت صارمة وقوية للتصدي لأي حادث قد يحصل، وقد عاهدت نفسها أن تفيد وتقف في صف كل من تعرض لمثل هذه الحادثة.
الإحصائيات وعقوبة القانون
وتنص المادة رقم (18) من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات أنه: “يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على ثلاث سنوات، وبغرامة لا تقل عن ألف ريال عماني ولا تزيد على ثلاثـة آلاف ريال عماني، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من يستخدم الشبكة المعلوماتية أو وسائل تقنية المعلومات في تهديد شخص أو ابتزازه لحمله على القيام بفعل أو امتناع ولو كان هذا الفعل أو الامتناع عنه”.
ويشير فِراس بن يونس بن راشد النقبي، متخصص ومحاضر في التوعية من مخاطر الابتزاز الإلكتروني، إلى إن الإحصائيات التي يتم رصدها من قبل جهات الاختصاص تتضمن مؤشرين أحدهما إيجابي والآخر سلبي، فالأول يشير إلى زيادة وعي المجتمع بحقه القانوني وضرورة الإبلاغ عن هذه الممارسات، والثاني يشير إلى وجود حالات كثيرة يتم استغلالها جنسيا وماديا ومعنويا.
وأضاف أن هذه الإحصائيات لا تمثل الواقع الحقيقي لأن الكثير من الضحايا وخصوصا ضحايا الابتزاز الإلكتروني يفضلون الصمت وعدم الإفصاح عما يتعرضون له، ولذلك فإن التوعية المستمرة وتحسين البيئة الإلكترونية في الدولة من خلال اتخاذ الإجراءات اللازمة ومواكبة التشريعات والقوانين لما يستجد من أساليب جرمية؛ له دور إيجابي وفعال في تخفيف حالات حصول هذه الجريمة، وانعكاس ذلك على أمن وأمان المجتمع أفرادا ومؤسسات.
وقال: “أدعو نفسي وغيري إلى ضرورة استخدام وسائل تقنية المعلومات والشبكة المعلوماتية بشكل صحيح، كما أدعو أولياء الأمور إلى ضرورة متابعة أبنائهم عند استخدام هذه الوسائل أو الولوج إلى الشبكة المعلوماتية والتي تعد عالما مفتوحا فيه الخير والشر، وينبغي على من يقع ضحية في هذه الجريمة ألا يستسلم للمبتز؛ وعليه أن يبلغ جهات الاختصاص لحمايته ورفع الاعتداء عنه”.
في حال تعرضك للابتزاز الإلكتروني يمكنك الاستعانة بالأرقام التالية وسيتم التعامل معك بكل سرية تامة:
- شرطة عُمان السلطانية: 80077444
- المركز الوطني للسلامة المعلوماتية: 24166828
- خط حماية الطفل لمن لم يكمل عمر 18 عاما: 1100
- إدارة الادعاء العام لقضايا تقنية المعلومات: 24180307