مريم الشكيلية
بعد عام من هذا العابر الذي حل ضيفا ثقيلا علينا، وبعد ما أحدثه من تغيرات على جميع الأصعدة، يتبادر إلى ذهني سؤال لطالما توقفت عنده وهو: أين هو فيروس كورونا “كوفيد 19” بعد عام وأكثر؟ هل هذا الفيروس حولنا ومعنا، أم أنه ذهب إلى أعمق من ذلك وترسخ في أذهاننا حديثا وسلوكا.
مما لا شك فيه أن هذا الوباء سيعبر بأمر الله تعالى، سيعبر ويتلاشى من عالمنا ومن أجسادنا ومن حولنا، ولكن هل سيعبر من أعماقنا وهل سيختفي أثره النفسي من دواخلنا، وخصوصا هؤلاء الأشخاص ممن لديهم ذكريات أليمة ومحزنة، أولئك الذين حصد الوباء أحبائهم وأقاربهم؟
من وجهة نظري، أنا لا أظن أن هذا الوباء سيعبر من جدار الذاكرة، بل سيترك أثره عالقا في النفوس، لأنه أصبح وبعد هذه المدة الطويلة من انتشاره والتي ألقى فيها بثقله علينا ورغم تعب الناس منه وما أحدثه من تغيرات على الصعيد الجماعي أو الفردي، لا يزال يصرّ على تصدّر أحاديث وأحداث اليوم.
إنني من خلال هذه السطور، أحث الناس عامة والمعنيين بالأمر من وسائل إعلام ومثقفين وأصحاب النخب أن ينظروا ويعملوا على تخفيف وإخراج هذا الكابوس من أذهان ونفوس المجتمع، ليس بالعودة إلى العادات السيئة والخاطئة في التعاطي مع هذا الوباء وغيره فما قبل كورونا ليس كما بعده، ولكن لعودة الحياة والأمل وحشد النفوس المتعبة وإخراجها من سلطة هذا الوباء الذهني.
كما يجب أن نسعى ونعمل من أجل تلاشيه ومحاصرته بدنيا واقتصاديا حتى تعود الحياة إلى طبيعتها ويتعافى المجتمع.
إن المجتمع أو شرائح منه إذا سيطر عليهم الخوف والجمود لا يمكن أن يصبح مجتمعا منجزا يدفع بوطنه إلى الأمام والتقدم، كما أن النفوس المتمسكة بذكريات مؤلمة لا يمكنها أن تنهض أو تتقدم، وإنما ستكون حبيسة المرض والألم والشعور بالخوف الدائم.
وعلى الرغم من الجهود العظيمة المبذولة للتخفيف عن الناس خصوصا التخفيف من شعورهم بالعزلة نتيجة قرارات الغلق الجزئي، فإنه لا بد من بذل المزيد من الجهود حتى نعيد الأمل والحياة الطبيعية أولا في نفوس الناس ثم على أرض الواقع من خلال العمل والإنجاز.
إن الفترة الطويلة التي تواجد فيها كورونا في مجتمعاتنا، كان ينخر في النفوس والذاكرة وتسبب في انتشار الإحباط والضيق والحزن، ولولا أننا مسلمين ومؤمنين بالله تعالى وحكمته ومتمسكين بوعده تعالى في جلاء هذه الغمة، لشهدنا حالات كثيرة من الانتحار والقنوط، وانتشار السلوكيات المخيفة التي تهدد حياة البشر.
كما أن مشاهد المعاناة التي شاهدناها على مدار العام الماضي ولا زالت، كفيلة بزرع الخوف وانطفاء الأمل والتفاؤل في النفوس، وكفيلة بتقييد الروح البشرية بقيود اليأس والتخاذل والانسحاب من الحياة رويدا رويدا.
تخيل أن نرى مجتمعا أو جزء منه يعيش بهذه الصورة المفزعة فكيف سيكون الحال حينها؟! أنا لست مبالغة أو متشائمة أو أكتب لرسم صورة سوداوية ولكن أردت فقط أن ألفت النظر لهذا الأمر الهام، ولما له من أهمية بالغة في حياة المجتمع بأسره.
أتمنى أن يرفع الله عنا هذا الوباء ويعيد الحياة لسابق عهدها، حفظنا الله جميعا.