شؤون عمانية
“الاستقامة” كتابٌ ألفه أبو سعيد محمد بن سعيد بن محمد الكُدميّ الناعبي “ق: 4 هـ ـ 10م” في أحكام الولاية والبراءة، يعود سبب تأليف الكتاب إلى توسُّع الخلاف بين أهل عمان في قضية عزل الإمام الصلت بن مالك الخروصي “حكم: 237 ـ 272هـ ـ 851 ـ 885م” وما تبعها من انقسامات ومناظرات علمية دفعت أبا سعيد إلى تقعيد أحكام الولاية والبراءة وتحرير مسائلهما وتوضيح تفريعاتها وتفصيل ما أجمله من قبله العلماء حول الموضوع، مع استفاضة في تناول تطبيقاتها العملية والحديث تخصيصاً عن الحدث الواقع زمن الإمام الصلت بن مالك.
والسبب الآخر للتأليف في نظر أبي سعيد التباس الأمر على بعض علماء زمانه، وإطلاقهم الأحكام على من سبقهم دون روية أو تصوُّر لأطراف القضية، مع تلبيسهم على الضعفاء والعامة وتكليفهم الناس أموراً ليست من الدين.
تحدث عن العلماء في عمان قبل زمن الحدث، وسماهم السلف، وجعل آخرهم الفضل بن الحواري الإزكوي “ت: 278هـ ـ 892م” الذي شهد وقوع الحدث آخر عمره، ثم قسم العلماء بعدهم إلى أربعة أخلاف “أي الأجيال المتعاقبة زمنياً” فجعل في الخلف الأول من أدرك الحدث وشاهده وعاينه كمحمد بن جعفر الإزكوي ونبهان بن عثمان النزوي وأبي المؤثر الصلت بن خميس البهلوي، وفي الخلف الثاني من كان أصغر سناً من المتقدمين كأبي المنذر بشير بن محمد بن محبوب بن الرُّحيل، وأخيه عبدالله بن محمد بن محبوب، والأزهر بن محمد بن جعفر الإزكوي، وأبي الحواري محمد بن الحواري النزوي، ثم في الخلف الثالث تلامذتهم وهم أشياخ أبي سعيد ومن أدركهم من العلماء كأبي إبراهيم محمد بن سعيد بن أبي بكر الإزكوي، وأبي محمد الحواري بن عثمان النزوي، وأبي عبدالله محمد بن روح بن عربي النزوي، وأبي الحسن محمد بن الحسن النزوي، وأبي محمد عبدالله بن محمد بن أبي المؤثر البهلوي، أما الخلف الرابع فهم معاصروه وأقرانه، وقد فصَّل القول في وجهة نظر كلّ من تقدم في القضية.
احتوى كتاب “الاستقامة” أيضاً على مادة تاريخية عن الأحداث التي عاصرها أبو سعيد، خصوصاً أخبار الأئمة أبي القاسم سعيد بن عبدالله الرحيلي “حكم: 320 ـ 328هـ ـ 932 ـ 940م” وراشد بن الوليد “حكم: 328 ـ 342هـ ـ 940 ـ 954م تقريباً” وحفص بن راشد اليحمدي “حكم: 355 ـ 364هـ ـ 966 ـ 975م” وأخبار معاصريهم من الفقهاء وهذه المادة التاريخية جعلت منه مصدراً للمؤرخين اللاحقين كسرحان بن سعيد الإزكوي في “كشف الغُمة” وعبدالله بن حميد السالمي “ت: 1332هـ ـ 1914م” في “تحفة الأعيان”.
لغة الكتاب متخصصة عميقة، وإلى هذا السبب عزا عبدالله بن حميد السالمي في “اللمعة المرضية” خُلوَّهُ من الإضافات والزيادات التي هي أسلوب شائع في المصنفات العمانية، ولدوافع التأليف هذه حرص أبو سعيد على فرز المتشابهات والنظائر وتوضيح الفروق بينها وجواز حملها على بعضها بعضاً أو لا، كما استعمل أسلوب الحوار وتقليب المسألة من شتى وجوهها.
من القواعد التي أصَّلها أنه استوعب أصول الولاية والبراءة، وردَّها إلى 39 أصلاً، لا يكون العالمُ عنده عالماً بالولاية والبراءة حتى يحيط بها ويدرك الفروق بين دقائقها وفروعها، وهذه التأصيلات اعتمدها العلماء اللاحقون وبنوا عليها، كما ضَمَّن كتابه مباحث فقهية وأصولية.
يقع الكتاب في مجلد واحد في أغلب نسخه المخطوطة، وأصدرت وزارة التراث القومي والثقافة طبعتين له، صدرت الأولى في جزأين دون تحقيق “1404هـ ـ 1984م” والثانية في ثلاثة أجزاء “1405هـ ـ 1985م” بتحقيق محمد بن أبو الحسن شحاته، فتصرف في مادة الكتاب وقدَّم وأخر.
كتب عدد من العلماء والأدباء تقريظات شعرية لكتاب الاستقامة، ولعلي بن محمد بن علي المنذري “ت: 1343هـ ـ 1924م” اختصارٌ له سماه “نهج الحقائق” وكتاب الاستقامة مصدر معتمد لمن جاء بعده، وجُلُّ المؤلفين في باب الولاية والبراءة من علماء عمان يرجعون إليه ويستندون إلى تأصيلاته.
المصدر: الموسوعة العمانية ـ الطبعة الأولى ـ الجزء الأول ـ صـ 177 ـ 178