أحمد بن سليمان الكندي
في هذا الزمن الصعب الاتحاد قوة والتعاون قد يكون حلا، فليس زمناً أصعب من هذا الزمان ووباء كورونا يشل اقتصاد العالم، وليس ادعى لتحقيق التعاون بين مؤسساتنا الخاصة من هذا الظرف الاستثنائي الذي ارغم الجميع على البحث عن وسائل النجاة، والتفكير في فرص الوصول إلى بر الأمان.
ماذا على مؤسساتنا التجارية ان تفعل؟ وهل ثمة ما يمكن أن تفعله بامكانياتها المتواضعة؟ وهل يمكن أن تجد حلولا عملية وسط هذا الاضطراب الاقتصادي والعجز المالي المتفاقم؟
من المعلوم ان التحالفات التجارية واندماج المؤسسات والشركات مع بعضها والدخول في شراكات تجارية وتكوين التكتلات الاقتصادية وحتى عمليات الاستحواذ؛ هي من بين الحلول المطروحة والواردة في عالم التجارة، فعندما تعترض المؤسسة عقبات مالية أو إدارية يصعب معالجتها وتهدد بفشلها وإفلاسها، تلجأ إلى هذه الحلول لإنقاذ المؤسسة وخلق مؤسسة جديدة برأس مال أعلى وإمكانات إدارية وإنتاجية وتسويقية افضل تستفيد منها كل الأطراف.
لكن في المقابل نحن نعلم أن مؤسساتنا ولاسيما الأشد تضررا منها لا زالت تنتظر الحلول التي تأتي من طرف الحكومة، وتمكث وهي تترقب العصا السحرية التي تبدل الوضع وتأذن بالفرج، وهذا يعود لعدة أسباب من أهمها أن أغلب مؤسساتنا الصغيرة ضعيفة ماليا وسرعان ما تتأثر بأقل هزة، ثم إن اقتصادنا بشكل عام لم يزل في اغلبه يستظل بظل الحكومة فينتفع من مشاريعها ويخضع لتشريعاتها وينتظر توجيهاتها، فهو لم يزل وليدا لم ينضج ليستقل برأيه ويعتمد على نفسه، أضف إلى ذلك غياب الكيانات الأهلية ( جمعيات – اتحادات – نقابات… الخ) التي كان من الممكن – لو وجدت – أن يكون لها دورا محوريا في مثل هذه الظروف للمساعدة في لملمة شتات المؤسسات واقتراح ودراسة الحلول المناسبة للخروج من عنق الزجاجة.
واذا ما شئنا الخروج من عباءة الحكومة فإن غياب هذا الكيان المفترض الذي يجمع بين دفتيه كافة المؤسسات الصغرى والصغيرة والمتوسطة يعتبر احد معوقات معالجة الوضع الحالي، فليس من وسيلة نستطيع بها توصيف وحصر المشاكل التي تعاني منها مؤسساتنا، واذا ما افترضنا أننا نعرف هذه المشاكل باعتبارها مشاكل معروفة واغلبها مالية، فكيف بامكاننا خلق حوار يشترك فيه الجميع، وكيف بامكاننا ان نقترح حلولا يشترك في مناقشتها الجميع وكيف يمكن لمؤسساتنا دراسة أوجه تعاون مقترحة فيما بينها لاكتساب بعضا من القوة لمواجهة هذا الاعصار.
وفي الوقت الذي يغيب فيه هذا الكيان المفترض، ونفتقد ما كان يمكن أن يساهم به في هذا الظرف الصعب، يبقى هذا الوضع الراهن يضغط بثقله على رواد الأعمال ليحد من قدرتهم على تسيير أعمال مؤسساتهم بما يكفل لهم توفيرالحد الأدنى من متطلبات البقاء، ومن هذا المنطلق فإن بعضا من الأفكار فيما يتعلق بالتعاون بين المؤسسات قد تغدوا مفيدة، مصداقا للمقولة: ما لا يدرك جله لا يترك كله.
إن الأفكار التي ترد تاليا تتمحور حول مفهوم التعاون الذي يمكن أن ينشأ بين المؤسسات في ظل هذه الظروف العصيبة، كما أنها تقوم على أساس تحويل المنافسين في وقت الرخاء إلى حلفاء ومتعاونين في وقت الشدة، وفي مطلق الأحوال تبقى هذه الأفكار أمثلة على ما يمكن استتنباطه من أفكار أخرى تخدم نفس الهدف .
تركز هذه الأفكارعلى تأسيس تعاون بين المؤسسات لخفض المصروفات التشغيلية واللوجستية، وعلى زيادة فرص البيع من خلال التشارك في عملية عرض المنتجات وتسويقها، وعلى تطوير الأعمال والانتقال من المحلية إلى الأقليمية والعالمية.
ولكن قبل استعراض هذه الأفكار أود التذكير بالقاعدة الذهبية المعمول بها في تقييم المشروعات التجارية والتي تحدد ثلاثة عناصر أساسية يجب أن تتوفر في المنتج أو في الخدمة حتى يمكنها النجاح كمشروع تجاري، وهي الأهمية والجودة والسعر.فيجب على رائد العمل أن يسأل نفسه هل هذا المنتج أو هذه الخدمة مطلوبان ويشكلان أهمية عند المستهلك؟ ثم هل يتوفر فيهما مستوى الجودة المطلوب والمقبول؟ وهل سعرهما مناسب؟ إن هذه الأسئلة تكون ضرورية لتحديد مدى القدرة على المنافسة في هذا العالم الصغير ولتحديد ما اذا كان على رائد العمل التغيير إلى الأفضل، وعما اذا كان جاهزا ليشارك الاخرين عمله في نطاق العمل التعاوني المطروح.
يأتي توفير المصروفات التشغيلية في مقدمة ما يقلق رائد العمل في عمله التجاري، فهو يستطيع الصبر على انخفاض المبيعات ويمكنه الرضى بالقليل من الربح، لكنه لا يستطيع الصبر كثيرا على تقصيره في الوفاء بالتزاماته المالية الخاصة بمشروعه كرواتب العمال وسداد الايجارات، لذلك فإن من افضل الحلول التي يمكن أن يتعاون فيها رواد الأعمال لخفض مصروفاتهم التشغيلية هي اندماج أكثر من مشروع في مقر واحد بالإضافة إلى تخفيض عدد العمال، كما يمكنهم التشارك في الأعمال اللوجستسية كخدمة الشحن وخدمات التوصيل، إن فكرة الاندماج تكون مناسبة أكثر للمشاريع الخدمية والتي تتطلب وجود ورش عمل ووجود عمال ومركبات شحن .. ألخ ، فيمكن لعدة مشاريع متماثلة في ولاية واحدة أن تعقد اتفاقا بينهم لتنفيذ خطة دمج، والتشارك في تحمل المصروفات التشغيلية، وتقديم الخدمة، وتقاسم الأرباح.
من بعد هم المصروفات التشغيلية يأتي القلق من انخفاض المبيعات والذي له علاقة مباشرة بالتسويق، وفي هذا الصدد يمكن للمشروعات ذات المنتجات والخدمات المتماثلة أن تنفذ معا خطط تسويق مشتركة والمساهمة في تكاليفها والاستفادة منها معا، ففيما يتعلق بالتسويق الالكتروني مثلا يمكن نشر الإعلانات في محركات البحث وعبر الفيس بوك والتويتر والانستجرام والسناب شات في حسابات مشتركة تحقق الفائدة للجميع، كذلك يمكن لهذه المشاريع تطبيق فكرة تبادل عرض المنتجات فيما بينهم وذلك لزيادة فرص البيع، فيتم الاتفاق بين أكثر من رائد عمل على تنفيذ هذا التبادل لقترات زمنية محددة،، كما يمكن للمشاريع المتماثلة تنظيم حملة تخفيضات مشتركة، واستغلال المناسبات الاجتماعية في تنظيم معارض تسويقية تضمن لهم تحقيق مبيعات جيدة خلال فترة زمنية قصيرة.
كذلك وفي نفس السياق يمكن لأصحاب المشاريع المنزلية في ولاية أو في محافظة واحدة الاتفاق على تجهيز صالة عرض مشتركة بينهم يتم فيها عرض جميع منتجاتهم ويتبادلون الاشراف عليها وإدارتها على ان ينفذوا خطة ترويج لهذه الصالة من أجل التعريف بها وجذب المستهلكين إليها، وكم هو رائع أن يبادر أحد الموسرين في كل محافظة بتخصيص هذه القاعة لهذه الفئة من المشاريع التي لم تزل بحاجة إلى الدعم والمؤازرة .
واذا ما عدنا إلى قضية التسويق الإلكتروني فإن هناك مطلبا وطنيا ملحا على رواد الأعمال بأن يقفزوا بالمنتجات الوطنية العمانية إلى مستويات التجارة العالمية عبر الاشتراك في منصات التجارة الإلكترونية العالمية المعروفة، فيمكنهم الاتفاق على التعاون معا في عرض المنتجات وفتح نوافذ عالمية لتسويق المنتجات العمانية فيرفعوا بذلك من مبيعاتهم بأقل التكاليف التي تتقسم بينهم .