د.عثمان بن عبدالرحمن البلوشي
أصبحت المنافسة التي تواجهها المؤسسات الخدمية حقيقة واقعة بفعل العديد من التغييرات التي شهدتها في بيئاتها على الصعيدين الداخلي والخارجي وعلى المستويين المحلي والعالمي، وبدأت المؤسسات العامة تعي هذه المنافسة وتلمس زيادة في حدتها، مما سيدفعها للبحث عن استراتيجيات وسياسات متعددة تستطيع من خلالها تحقيق الجودة والميزة التنافسية خلال الفترة القادمة.
والانطلاقة بدأت بحكمة من حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم – حفظه الله ورعاه – بإصدار نظام المحافظات والشؤون البلدية، استشعارا من جلالته – يحفظه الله – بأهمية ذلك خلال الفترة المقبلة والتي انعكس على اللامركزية في الجانب الخدمي بمختلف القطاعات من خلال ابراز دور المحافظة في العمل على استيفاء احتياجاتها من المرافق العامة غير البلدية والخدمات الحكومية الأخرى، وتنفيذ المشاريع الإنمائية وتذليل الصعوبات التي تواجهها، وكذلك المشاركة في إعداد مشروعات خطط التنمية.
سيساهم النظام في الاهتمام بتحقيق الميزة التنافسية للمؤسسات الحكومية وإعادة التفكير في استراتيجياتها للإنتاج، وتقديم الخدمات، وكيفية استثمارها لمواردها المختلفة من أجل تحقيق أهدافها بجودة وتميز، تحقيقا لرؤية عمان ٢٠٤٠ والتي تنصب في الحوكمة والأداء المؤسسي.
إن المنافسة الجديدة ستتمحور حول استثمار الكفاءات والقدرات التنافسية للمؤسسات الخدمية المختلفة، مما يبرز أهمية التخطيط الاستراتيجي لتحقيق الميزة التنافسية وبناء القدرات الأساسية من الموارد البشرية، واستثمار الإمكانات المتاحة، والاهتمام بالإبداعات الشبابية والابتكارات المختلفة لصقلها وبلورتها والاستفادة منها في الترويج للاقتصاد الوطني.
يعتبر دور الدولة والتنظيم الحكومي بهيكليته الجديدة وطبيعة الأنشطة والخدمات التي يقدمها، وما يوفره من بنية تحتية وما يقدمها من حوافز لاستقطاب الاستثمارات المحلية منها والعالمية، وكذلك سياساته الضريبية والمالية والنقدية أمرا مهما في تحقيق الميزة التنافسية وبجودة عالية، وهذا ما يتفق مع توجهات حضرة صاحب الجلالة – يحفظه الله – في لامركزية الخدمات وتفعيل دور المحافظين من خلال إعداد مشروعات خطط التنمية في المحافظات ومتابعة تنفيذها عبر مشروع إعداد موازنة لكل محافظة.
لنظام المحافظات والشؤون البلدية أهمية في التطوير الإداري، والاقتصادي، والاجتماعي، والتعليمي، والصحي، والتكنولوجي، مما سيحدث تحولات كبيرة في دور المحافظين نحو تغيير طبيعة ومفهوم ودور المؤسسات العامة، والمتتبع لذلك النظام يرى خروج مفهوم التنافسية من الحدّ الضيّق والذي كان يقتصر على المؤسسات الخاصة إلى مشاركة مؤسسات القطاع العام بتقديم خدماتها للمواطنين في الداخل الوطني والخارج الدولي وسيساهم ذلك في أولًا تعليم متقدم من خلال الاهتمام بتأهيل مخرجات المؤسسات التعليمية المختلفة للانخراط في سوق العمل وفق التخصصات المطلوبة، ثانيًا شكل الخدمات التي يفترض أن يحصل عليها المستفيد من المواطنين مقابل التكاليف المالية التي يدفعها للحكومة نظير الخدمة، والتقليل من الامتعاض الظاهر على المستفيد من هذه الخدمات غير المتناسقة في بعض الأحيان مع هذه الضرائب.
إن إيلاء مهمة كهذه للمحافظين يدل على سعي الحكومة الرشيدة بقيادة مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم – حفظه الله ورعاه – لتطوير دور المؤسسات في المحافظات وتقديم التحفيز لإدارة المؤسسات نحو بذل المزيد من الجهد في اتساع إمكانيات المؤسسة ورفع طاقتها الإنتاجية نحو استثمارات جديدة مما يعني زيادة الطلب على عناصر الإنتاج وفي مقدمتها عنصر العمل، والذي بدوره سيؤثر على تخفيض نسبة الباحثين عن العمل وهي من المحاور الأساسية لتحقيق رؤية عمان ٢٠٤٠ في مجال الإنسان والمجتمع.
ومن هنا يمكن وعي دور الميزة التنافسية لنظام المحافظات والشؤون البلدية بقدرة المحافظات بمؤسساتها المختلفة على تلبية وإشباع احتياجات المواطن من خدماتها بجودة وسرعة وبتكلفة معقولة، والاستخدام الأمثل لمواردها البشرية والمادية بشكل يفوق المؤسسات العامة والخاصة وعلى المستويين المحلي والعالمي وسعي كل محافظة بإبراز دورها في التميز عن المحافظة الأخرى من خلال العوامل التي ستسهم في دفع عملية التنمية المستدامة بالسلطنة والتي تتمثل في مواكبة العولمة، والتغيير في دور الدولة، والحكومة الإلكترونية، وتبني نظم ومداخل إدارية جديدة مثل إعادة اختراع الحكومة، وإدارة المعرفة وأخيرًا المساءلة والشفافية.