مطر بن سالم الريامي
من المتوقع أن تساهم الحوكمة كثالث المحاور التي ركزت عليها “رؤية عمان 2040” في تحسين الأداء المؤسسي وسيادة القانون ، إضافة لرفع كفاءة الأجهزة الحكومية وزيادة درجة التنسيق بينها وتعزيز ثقة المواطن فيها وذلك من خلال إطار مؤسسي يعمل على تفعيل القوانين والممارسات التي تحدد الصلات والتفاعلات بين ذوي العلاقة ويساعد في إيجاد نظام مساءلة فاعل وشفاف ويحدد أولويات التوزيع الأمثل العادل للموارد ، فما الحوكمة الإدارية … وما أثرها في تجويد العمل المؤسسي ؟
شهد العقد الأخير من القرن الماضي البدايات الحقيقة للحديث عن الحوكمة ، وذلك بعد تفجر الكثير من القضايا التي طفت على السطح وظهرت فيها التجاوزات الإدارية والمالية وقد كشفت هذه الأزمات والانهيارات عن أنماط من الفساد المالي والإداري جعل الحديث عن الحوكمة يحظى بأهمية خاصة ، ومن القضايا الكبرى التي طفت على السطح في تلك الفترة وشكلت بدايات الحوكمة في مفهومها الحالي ما عرف في حينه بأزمة بنك التجارة والاعتماد الدولي .
حيث تشير الحوكمة الى تطبيق نظام رقابة وتوجيه على المستوى المؤسسي بين الإدارة وموظفي المؤسسة ، كما تساهم في التطوير الإداري والتنظيمي المستدام عن طريق تعزيز أداء المؤسسة في التعلم والتحسين المستمر، واذا كان نجاح المؤسسات مرهونا بتحقيق أهدافها فإن الحوكمة هي الوسيلة التي تمكن المؤسسات من تحيق هذه الأهداف وتوفير أسباب تطورها وان تعيد ترتيب أولوياتها ، وعلى هذا تعتبر الحوكمة مرتكزا أساسيا من مرتكزات احداث تغيير السلوك التنظيمي للموظفين وتطوير أدائهم وهنا تكمن أهمية الحاجة العلمية والعملية الملحة في تطبيق الحوكمة.
ويمكن ان تفهم الحوكمة بوجه عام على انها تنطوي على توزيع السلطة والمهام بين الوحدات داخل كيان أكبر وأساليب التواصل والرقابة فيما بينها وسير العلاقات بين الكيان والبيئة المحيطة ، وهناك عدة مجالات أساسية تغطي معايير حوكمة المؤسسات وتساهم في تعزيز هذا النظام في المؤسسات وهي في الإجمال الاهتمام بالسلوك الأخلاقي و الرقابة والمساءلة والإفصاح والشفافية وحقوق المساهمين والمعاملة المتكافئة للمساهمين ودور أصحاب المصالح في حوكمة الشركات في تفعيل قواعد حوكمة المؤسسات ودعم دور ومسئوليات أعضاء مجلس الإدارة .
ويمكن تعريف الحوكمة بأنها : ” الإجراءات والأنشطة التي يقوم بها ممثلو أصحاب المصالح بالتنظيم ، وذلك بغرض الرقابة على المخاطر وضمان قيام الإدارة بتطبيق إجراءات الرقابة الداخلية اللازمة للتغلب على هذه المخاطر ، وتؤدي الحوكمة الفعالة للمؤسسات الى ضمان دقة التقارير المالية وفعالية إجراءات الرقابة الداخلية “. وتسعى الحوكمة إلى تحقيق جملة من الأهداف تكسبها الأهمية البالغة لعظم تلك الأهداف ومشروعيتها واهميتها، ومن هذه الأهداف رفع كفاءة الأداء ووضع أنظمة للرقابة عليه وكبح مخالفات الإدارة المحتملة وضمان التناغم الفعال بين مصالح الإدارة ومصالح المساهمين وتقليل المخاطر المالية والاستثمارية وحماية حقوق المساهمين ومصالحهم من خلال وضع الاستراتيجية الاستثمارية السليمة وزيادة الثقة بالاقتصاد الوطني والحفاظ على السمعة الاقتصادية للمؤسسة من خلال التمسك بالقيم الأخلاقية وفتح السبيل للمؤسسات للانفتاح على أسواق المال العالمية والوصول إلى أعلى المراتب لدى المؤسسات الدولية وتحسين الأداء المالي للمؤسسة و تحقيق الشفافية والعدالة و تحقيق موازنة بين الصلاحيات التي تتمتع بها الإدارة وحماية حقوق أصحاب المصالح .
ووفق هذه الأهداف فإن مبادئ وعناصر الحوكمة تتلخص في الإدارة الرشيدة و الشفافية والإفصاح والرقابة والتقييم و سيادة القانون و العدالة وتكافؤ الفرص و مكافحة الفساد و المساءلة و الكفاءة والفاعلية .
وتظهر أهمية حوكمة المؤسسات في تحقيق الاستقرار والمصداقية للمؤسسات المساهمة محليا وعالميا، مما يؤدي الى تعزيز الربحية وفاعلية أداء قطاع الأعمال ، وبما يعضد المنافسة في الاجل الطويل ، بالإضافة الى تقوية العلاقة بين منشئات الاعمال وأصحاب المصالح مع تعزيز التعاون التجاري بين المؤسسات داخل وخارج الدول ، هذا وقد تعاظمت في الآونة الأخيرة أهمية حوكمة المؤسسات بهدف كل من التنمية الاقتصادية والحماية القانونية والرفاهة الاجتماعية والمجتمعات ، ويظهر ذلك من خلال ضمان قدر ملائم من الطمأنينة للمستثمرين على تحقيق عائد مناسب لاستثماراتهم مع العمل على الحفاظ على حقوقهم وتعظيم القيمة السوقية للمؤسسة وتدعيم تنافسيتها في أسواق المال العالمية ، والتأكد من كفاءة تطبيق برامج الخصخصة ، وحسن توجيه الحصيلة منها الى الاستخدام الأمثل لها منعا لأية من حالات الفساد التي قد تكون مرتبطة بذلك ، وتجنب الانزلاق في مشاكل محاسبية ، وتحقيق دعم واستقرار نشاط المؤسسات العاملة بالاقتصاد ودرء انهيارات في أسواق المال المحلية والعالمية المساعدة في تحقيق التنمية والاستقرار الاقتصادي .
أما عن العوامل اللازم توافرها لممارسة الحوكمة الجيدة في المؤسسات فهي تتمثل في اصدار قواعد رقابية خاصة بالحوكمة المؤسسية تكون مقبولة ومعترف بها من جميع الأطراف ذات العلاقة ، ويجب ان يكون لدى مجالس إدارات هذه المؤسسات القناعة الكافية بأهمية هذه القواعد والضوابط فيما يساعد على تنفيذها ، توفر استراتيجية واضحة يمكن على أساسها قياس مدى نجاح المؤسسة ومدى مساهمة الإدارة والافراد في هذا النجاح ، والتأكد من كافة أعضاء مجلس الإدارة وتنوع خبراتهم وادراكهم الكامل لمفهوم الحوكمة المؤسسية ، ضرورة توافر الشفافية والإدارة والإفصاح في اعمال المؤسسة وانشطتها .
رغم الجهود المبذولة من قبل العديد من المنظمات الدولية والحكومات والتقدم الملحوظ في احتواء الحوكمة يبقى هناك عدد من المحددات التي تؤثر في إنجاح عملية الحوكمة وهي نوعان، وهما: 1- محددات خارجية وتشير هذه المحددات الى المناخ العام للاستثمار في الدولة الذي يشمل على القوانين المنظمة للنشاط الاقتصادي وكفاءة القطاع المالي في توفير التمويل اللازم للمشروعات ودرجة تنافسية الأسواق فضلا عن كفاءة الأجهزة الرقابية ، وتعود أهمية المحددات الخارجية الى ان وجودها يضمن تنفيذ القوانين والقواعد التي تضمن حسن إدارة المؤسسة من خلال تقليل التعارض بين العائد الاجتماعي والعائد الخاص وكذلك الى ان وجودها يضمن تطبيق القوانين التي تكفل حسن إدارة المؤسسة ويقلل المخاطر . 2- ومحددات داخلية: وتشير المحددات الداخلية الى القواعد والأسس التي تحدد كيفية اتخاذ القرار وتوزيع السلطات داخل المؤسسة بين الجمعية العاملة ومجلي الإدارة والمديرين التنفيذيين التي يؤدي توافرها من ناحية أخرى الى تقليل التعارض بين مصالح نتلك الأطراف الثلاثة ، ويتضح من خلال ذلك ان المحددات سواء كانت داخلية او خارجية فغنها تتأثر بمجموعة من العوامل الاقتصادية والاجتماعية وبالوعي عند افراد المجتمع ومتربط أيضا بالبيئة التنافسية والقانونية داخل المؤسسة فهي جميعا تعمل على زيادة الثقة في الاقتصاد والحفاظ على حقوق المساهمين .
ونختم بما ذكره مولانا صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم – حفظه الله ورعاه -: “ لقد أولت الرؤية المستقبلية أهمية خاصة لقضايا الحوكمة وموضوعاتها وذلك لأهميتها الكبيرة ، وتأثيرها في الأولويات الوطنية ، من حيث تفعيل الرقابة ، والاستخدام الفاعل للموارد الوطنية ، وتحقيق مبادئ النزاهة والشفافية والمحاسبة والمساءلة ، بما يعزز الثقة في ىإقتصادنا الوطني ، ويدعم تنافسية جميع القطاعات في ظل سيادة القانون ” .