الكاتبة: فايزة محمد*
عندما نتحدث عن المعجزات التي حدثت في مسيرة الأمم والشعوب، فلا بد أن نتوقف طويلا عند النهضة العمانية التي تحققت في يوليو سنة 1970، واستطاعت في فترة قياسية – لا تكاد تذكر – أن تنقل السلطنة من دولة معزولة عن العالم الخارجي لتصبح واحدة من الدول المتقدمة في المنطقة والعالم. من دولة كانت محرومة من جميع الخدمات التي تقدمها الدول لشعوبها، إلى دولة وضعت المواطن على رأس أولوياتها واهتماماتها؛ فقبل النهضة المباركة لم يكن هناك نظام صحي يقدم الرعاية الصحية للمواطنين الذين كانوا يقطعون الأميال الطويلة مشيا على الأقدام أو الجمال من أجل الوصول إلى المستشفى الوحيد في البلاد يومذاك، الذي لم تتوفر فيه إمكانيات عالية الكفاءة لعلاج المواطنين، وإنما كان يوجد به طبيب أجنبي واحد يعاونه بعض المواطنين الذين لم يكن يمتلكون أي خبرة في التمريض، كما لم يحظى أبناء الشعب بتعليم من أجل التحصيل العلمي والمعرفي، بل حتى المكتبات كانت معدومة، وكان هناك فئة بسيطة جدا تُعد بالأفراد كانت تصلهم بعض المجلات العربية من الخارج، أما أبناء الشعب فلا يعرفون صحفا أو مجلات فضلا عن الكتب، وبالتالي كانوا بعيدين عن الأحداث التي كانت تحدث وراء الحدود، بل حتى خارج حدود القرية التي يعيشون فيها، أما النقل والاتصالات والبريد فكانت معدومة تماما.
ولكن النهضة العمانية استطاعت في فترة قياسية جدا أن تقول للعالم بأن ما حدث في السنوات الماضية كان حدثا طارئاً ولا يعبر عن عمان التاريخ والحضارة؛ فعمان التي نشرت الحضارة في بقاع كثيرة من العالم لا يمكن أبدا أن تعيش بثلاث مدارس ابتدائية فقط، ولا يمكن أن تظل بدون نظام صحي متكامل، ولا يمكن أن تكون بلا صحف أو مجلات أو وسائل إعلام تعبر عنها، ولذا كانت رسالة النهضة أن تعيد عمان إلى أمجادها وتاريخها الحضاري العريق، وقد حدث ذلك بالفعل، وفي فترة قياسية جدا لا تتجاوز بضع سنوات فقط.
واليوم، والسلطنة تحتفل بعيدها الوطني السابع والأربعين المجيد، لم تعد الظروف المحلية والإقليمية والدولية كالسابق، فالعالم يعيش اليوم أزمات سياسية واقتصادية صعبة جدا، ولذا فإن الحاجة ماسة إلى بناء استراتيجيات وطنية في مجالات الاقتصاد والمعرفة والإعلام وغيرها، ولا يمكن أيضا الاعتماد على النفط كالسابق، وإنما تشجيع ودعم الموارد الأخرى كالسياحة، والاستثمار ،والصناعة ،وفتح المجال للاستثمار الخارجي وتذليل العقبات التي تقف وراء ذلك، ودعم مشاريع الشباب، وغيرها
وقد أبدى صاحب الجلالة المعظم – أعزه الله – اثناء ترأسه اجتماع مجلس الوزراء الأخير بحصن الشموخ في ولاية منح اكتوبر الماضي عن ارتياحه للجهود التي تبذلها الحكومة في التعاطي مع الأوضاع الاقتصادية العالمية، ووجه إلى الاهتمام بعدد من الجوانب التي تصب في مصلحة الوطن وأبنائه، وتؤمن للجميع دوام الخير والأمان، كما أصدر في 4 أكتوبر الماضي توجيهاته السامية لمجلس الوزراء لتوفير فرص عمل جديدة للقوى العاملة الوطنية تشمل 25 ألف فرصة كمرحلة أولى، في مؤسسات الدولة العامة والخاصة، وسيتم البدء بتطبيق هذه الخطوة اعتباراً من ديسمبر المقبل.
ولمواجهة انخفاض أسعار النفط وتداعياته لدى المواطن العماني، والحرص المستمر الذي يوليه حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم – حفظه الله ورعاه- للجوانب المعيشية للمواطنين وتوجيهات جلالته السامية للحكومة باتخاذ ما يلزم من خطوات تحقيقا لهذا النهج ، وجه مجلس الوزراء بتخصيص بند في الموازنة العامة السنوية للدولة بمبلغ 100مليون ريال عماني للمستفيدين من الدعم من الفئات المستحقة نتيجة لتحرير أسعار الوقود والتخفيف من آثارها .
إن الإنجازات التي تتحقق على أرض السلطنة في المجالات المختلفة، تؤكد أن مسيرة النهضة لم تتوقف، وهي مستمرة في العطاء والإنجاز لرفاهية الشعب العماني، رغم الظروف الصعبة التي رافقتها طوال السنوات الماضية، خاصة بعد انخفاض أسعار النفط إلى أسعار قياسية، ولكن مع ذلك فإنها لم تؤثر على الجوانب المعيشية للمواطن العماني، فالمواطن سيبقى محور الاهتمام الأول والأخير لجلالة السلطان المعظم حفظه الله ورعاه.
*مديرة تحرير صحيفة ” شؤون عمانية”، وعضوة في اللجنة الاستشارية في مجلة “شرق غرب” الفكرية