محمد المبارك خالد التيرابي
الكل يعلم يقيناً أن هنالك حالات يأس وإحباط تخيم على الكل، وتؤرِّق الشباب -بوجه خاص- في الدول “النامية” في أيامنا هذه وذلك بحكم الأحداث والمتغيرات التي تفعل فعلها بسبب التفلُّت والتعنُّت والحاجة إلى الوقار السياسي والحكمة والهدوء نتيجة الرعونة وقلة التعقل التي تهيمن على كثير من القادة وأصحاب القرار بفعل الطمع الذي تمليه “المصالح العليا” ضاربين بعُرض الحائط كل القيم والمبادئ والمواثيق!!!
ولكن وفقًا لدراسة تطورات الأحداث العالمية الأخيرة فإن هنالك أملًا مرتقبًا في أن يعود الجميع إلى رشدهم في ظل الحاجة الماسَّة إلى التعقُّل والاتزان لاسيما أنه تلوح في الأفق مؤشرات وبوادر ليست في صالح “الكبار” اقتصاديًّا واجتماعيًّا والدليل على ذلك تزايد “الهجرة إلى الشمال” بحكم الحاجة إلى الكفاءات العلمية والأيدي العاملة تبعًا للخلل الديموغرافي الكبير (ما يتعلق بالسكان) الذي يعانيه الغرب -وإن حاول تقليل الاهتمام به- ولعل ذلك يعود إلى تفكك الأسرة والعزوف عن الزواج وضعف الخصوبة والاضطرابات النفسية وأمراض العصر التي لم تفلح المدنية الحديثة في القضاء عليها بل زاد من أوارها الخواء الروحي بالافتقار إلى الحياة الآمنة المطمئنة!!!
فالمدنية الحديثة سلبت أكثر مما منحت، ووفقًا لمعايير السعادة والأمن وراحة البال لم يكن الإنسان في الماضي البعيد بأتعس مما هو عليه الآن! فليس السعادة تكمن في سرعة إيقاع الحياة وكثرة الكشوفات العلمية والمكاسب المادية وحسب، إذ جُرِد الانسان من أهم ما يتوق إليه في ظل الاضطراب العقدي والنفسي والخلخلة الاجتماعية والفكرية والتخبط السياسي العدواني كما سبق وأن أشرنا!!!
ومن مظاهر رد الفعل لذلك أن بعض الشباب أصبح مفهومه للحرية مفهومًا خاطئًا وآثمًا! فليست هنالك حرية “مطلقة” تتصادم مع معايير القيم والمعتقدات… تتعدى على مرتكزات أساسية لا تُقيم احترامًا وإكبارًا لدينٍ أو لخلقٍ أو لعرف، ولا ريب أن هذا من إفرازات الحياة الحاضرة بسلبياتها ومتناقضاتها التي أوجدها الغلاة عديمو الضمير، فاقدو الإنسانية، فلا بد من التيقظ وعدم الانسياق وراء ما أملته الظروف الحالية من ظلم وتعدٍّ وطغيان وعلوٍّ في الأرض!!!
ينبغي توعية الشباب وإطلاعهم على حقيقة ما يجري حولهم لاسيما أن هذه مرحلة عابرة لن تدوم طويلًا، إذ يقول المولى عز وجل “وتلك الأيام نداولها بين الناس”. فيوم لك ويوم عليك، ودوام الحال من المحال. يقول الشاعر:
لكل شيءٍ إذا ما تمَّ نقصانُ
فلا يُغرُّ بطيب العيش إنسان ُ
هي الأمور كما شاهدتُها دولٌ
من سرَّه زمن ساءته أزمانُ
وهذه الدنيا لا تُبقي على أحدٍ
ولا يدوم على حال لها شانُ!
وهنالك من الشباب من يفهم الحياة بحسب ما يتراءى له على اعتبار أنها استهلاك مادي محض يتبدَّى في تمضية الوقت تكاسلًا وتشاغلًا، لعبًا ولهوًا، فيصاب بالهُزال الفكري وبالتالي الإنجازي والإبداعي فلا يُرجى نفعه في كثير أو قليل! وقد اشتكى كثير من الآباء من التفلُّت والتسيُّب الذيْن يعيشهما الأبناء بحيث غدا ذلك حالة مرضية يُرثى لها بعدما بدت ماثلة للعِيان في كلامهم الركيك وطريقة تفكيرهم الخاوية وعدم جديتهم في كل خطوة يخطونها -إلا ما رحم- لافتقارهم للتوازن والمنطق العقلاني في كل شيء تقريبًا!!!
ولا أمل يلوح في الأفق لمعالجة ذلك إلا بجهد جماعي جبار ابتداءً من الجذور وعلى أمد بعيد بعد تنبُّه وجدية أولي الشأن بالتواصل مع الآباء عبر برامج دورات تأهيلية ومحاضرات وندوات توعوية تُنبئ عن حسن النوايا وسلامة الطوايا وتكون قمينة بالكفاءة المتطلبة المثمرة.
ويزيد الطين بِلة انشغال النشء بمُلهيات العصر عبر ما يعرف بالإعلام الاجتماعي الذي لم يعد تحت السيطرة بحيث يصعب التكهن بمآلاته وتوجهاته إذ تبدو الأجيال الناشئة غريبة التصرف والتعامل مع الآخرين وفقاً للمفاهيم الجديدة ذات الأبعاد التي تحيد عن الجادة في معظمها كما أسلفنا.
حدثتني إحدى الأمهات إنها حزينة وقلقة على مصير أبنائها إذ هنالك تعارض بين ما يتلقوْنه في البيت، وبين ما يجدونه في الشارع بحيث يغدو توجيهها ضربًا من الأحلام والأوهام في ظل السيل العرِم الذي يجتاح الجميع دونما تعقُّل ورحمة، فهي كأنما تضرب في حديد بارد، فلا جدوى من كثرة محاولات إصلاحها وتقويمها لهم!!!
ولا يُلقي القيِّمون على الأمر اهتمامًا ذا بال لمعالجة ذلك قبل أن يستفحل الأمر فلم نسمع بصيحات استغاثة جادة يستجيب لها القادة عبر المؤتمرات واللقاءات السياسية -على كثرتها- إذ تمضي الأحداث على ما هي عليه وكأن شيئًا لم يكن، ولا يدري عقلاء القوم إلى أي جهة تسير الأمور أو كيفية التحكم فيها بعدما فاض الكيل وبخاصة في ظل تقييد وتعطيل أداء الصالحين والمصلحين في عالم مضطرب الأحوال والمتغيرات غير السويَّة!
وهكذا تدور الأيام -في ظل غفلة متعمدة من أولي الشأن- نحو مستقبل مجهول الهُوية ولكن الأمل في الله راسخ وكبير إنه نعم المولى ونعم النصير.
*خبير استشاري في الإعلام التطبيقي، والتطوير الذاتي والمؤسسي بخبرات دولية
taheel22@gmail.com