حذام بنت سعود الرحبية*
كان أكثر ما يزعج جدي حينما نزوره في البلد أن يجد قطعة خبز ملقاة على الأرض، ويبادر في رفعها حتى لا تداس بالأقدام ، بالرغم أن هناك أشياء أخرى أغلى قيمة مادية في بيته يطالها العبث الطفولي إلا أنه يرى ما يبرر ذاك ولا تتعدى ردة فعله اكثر من العتاب إذ يرى ان الطفل لا يخطىء..
و ذات يوم بينما كنا انا وعائلتي على مائدة الطعام، رأى ابي قطعة خبز خارج السفرة التقطها بطرف انامله، وقال: حافظوا على كسرة الخبز وما من قوم سقطت منهم قد لا يجدونها مرة أخرى..
فما هو سر الاهتمام المتوارث و غير العادي بالخبز دون غيره من أصناف الطعام؟!
بالبحث عن مكانة الخبز عند الشعوب القديمة وفي الإسلام حصلت على معلومات قيمة. يعود تاريخ الخبز إلى ٨٠٠٠ ق. م وأنه أقدم حتى من تاريخ الزراعة، ويحاط الخبز منذ القدم بمكانة مرموقة ، فكان المصريون القدماء يحترمون الخبز ويحيطونه بهالة من الجلال والتقدير كالقسم به وتحريم إلقاءه على الأرض، وعلى مر العصور شكل الخبز أهمية بالغة لدى الشعوب ولأجله تثور الثورات والحروب، فضلاً عن انه يرمز للكد والعمل من أجل لقمة العيش، فهو مصدر للرزق والحياة وأهم عنصر من عناصر الغذاء للانسان، وقلما تخلو اي مائدة سواء في بيت الاغنياء او الفقراء من الخبز، وظل راسخا ً في وجدان الناس وحكاياتهم الشعبية وروابطهم الاجتماعية فمزيج الخبز والملح دلالة على قوة الرابطة ومعنى للوفاء…وفي الإسلام الحنيف ارتبطت النعمة بدوامها بالشكر وزوالها في كفرها، فقال تعالى.:
.(فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ)..
والخبز نعمة من نعم الله علينا، والواجب شكر الله تعالى والمحافظة عليها وتقديرها ووضعها في المكان اللائق في البيت وعدم الاستخفاف بها، ومقاسمة الفقراء والمحتاجين، وورد في الحديث الشريف.”اكرموا الخبز” وروي ان النبي صلى الله عليه وسلم رأى مرة كسرة خبز سقطت على الأرض فرفعها وقال؛ يا عائشة! احسني جوار نعم الله، فقل أن تنفر من قوم فتعود إليهم “.. إن كسرة الخبز التي نراها بسيطة هي أمنية لآلاف الجياع، فلنحافظ على النعمة ونتجنب الإسراف، وكما قال أحد الشعراء :
إذا كنت في نعمةٍ فارعها
فإنَّ المعاصي تزيل النَّعَم.
أدام الله عليكم النّعم…
*طالبة بمدرسة جوهرة مسقط