محمد المبارك خالد التيرابي*
التعود على الإصرار على العمل المتقن والمنجز من سمات الناجحين المبدعين، وشعار “الحياة كفاح متصل” شعار يتردد بين شعوب شرق آسيا في يقين راسخ، ولا أدلُّ على ذلك من الصبر مثلاً عدة سنوات لتعليم الحيوانات والطيور كالأفيال والتماسيح والسناجب والببغاوات على الإتيان بأعمال وألاعيب في غاية روعة الأداء، حيث يُستثمر ذلك في انتزاع اهتمام وإعجاب المشاهدين وبخاصة السياح!
ذكر لي أحدهم أنه أمضى ثلاث سنوات وهو يدرب بعض الحيوانات من غير ملل ولا كلل!!! فكما أن “الشجاعة صبر ساعة” كما قيل عنها، فالنجاح صبر سنين عندهم فهي “مسألة وقت”!
ويؤطر ذلك في إطار الإبداع والإمتاع، فالإبداع هو الإتيان بالجديد والمفيد ويا حبذا لو يكون ذلك من خلال التجربة إثر التجربة والمحاولة تلو المحاولة وهذا ما يعرف عندهم بالاستثمار “الصابر” بعيد المدى!
فمن منَّا من لم يرَ الأفيال في شرق آسيا ولو عبر الشاشة الصغيرة وهي تلعب الكرة تتقاذفها يمنة ويسرى حتى تلج المرمى أو تمشي مشية عسكرية في ثبات وثقة أو تلعب كرة السلة أو تتنافس على جر الحبل وما إلى ذلك!!!
لقد أزعج الرجل الشرقي “الأصفر” الرجل الغربي “الأبيض” إقتصاديًّا وصناعيًّا أيما إزعاج من خلال التنافس المكشوف بعدما أدرك حقيقة الصبر والمداراة في صمت مطبق بغية تحقيق تميز الإنجاز وفي سبيل التقدم الباهر الذي لا يخفى عند الطموحين!
ذكر لي أحدهم أنه لا يهمه كم يتقاضى راتباً شهريًّا بقدر ما تهمه الخبرة في مجالٍ تخصصي قد يتأفف منه البعض ويرفض العمل فيه فلا بأس أن يبدأ حياته موظفاً صغيرا ثم يستمر فيها شريكاً لينتهي صاحب مؤسسة أو عمل مبدع مؤسس على منهجية وفكر وبعد نظر! فهو لا يريد أن يعيش كل حياته موظفاً ويموت موظفاً!!!
اصطحبت رجل أعمال من الشرق الأقصى قبل نحو عشرين عاماً إلى بعض الدول الشرق أوسطية لمدة ثلاثة أسابيع ولشد ما راعني في خاتمة المطاف أنه رفض التعامل مع العروض المغرية الكثيرة بحجة أنه ليس هنالك طموح استراتيجي بعيد المدى عند القوم، بالإضافة إلى أن طرق التعامل عند أكثرهم لم ترق له كثيراً ويكفي أنه عاد بإضافات من دراسة ميدانية ثرَّة يبني عليها في عمله بالطريقة التي يريدها!!!
*خبير استشاري في الإعلام التطبيقي، والتطوير الذاتي والمؤسسيبخبرات دولية
taheel22@gmail.com