منى بنت سالم المعولية
بدات أكتب وأنا في المرحلة الابتدائية وبالتحديد في الصف الخامس الابتدائي وفق مواقف أربكتني، سبق وان سردتها، استمر ذلك الهاجس الكتابي ينتابني كلما شعرت بألم معين أو كلما عانيت من تنمر الآخرين من حولي، فكنت أنتزع ورقة بيضاء من دفاتري لأكتب فيها شتما، بوحا، كدراً، غضباً، أي شيء لن يصل أبدا إلا إلى حاوية القمامة حين تكنسها أمي كل صباح، كنت محاطة لسبب لا اعلمه بكره الفتيات من حولي، لذلك فإني نشأت مع صبية القرية أكثر من البنات، عدا صديقة مقربة هي معلمة فاضلة بقت وفية للجيرة وللطفولة وأحلام الشباب، كلما كتبت كنت اقرأ لها كل ما كتبت وتستمع إليّ بدون ضجر، صديقتي الحبيبة لم تزل تجر معها عادات الطفولة فتشارك في العالم الافتراضي بإسم مفترض ايضا، على كل حال أنا أحبها كيفما قررت أن تبقى أو تكون …
بعد ذلك لاح أفق المنتديات والانترنت وانطلقت أكتب بإسم شجن الايام، كنت أكتب كثيرا وأكتب وأنا في سماء الأدب طفلة تحاول أن تدس أنفها في عالم الكبار، لم تكن لدي التجربة المتزنة ولا أعرف كثيرا حقوق نفسي أو حدودها وقد تعرضت كثيرا للسرقات الأدبية واجد منشوراتي بأسماء أخريات، كنت أثور واغضب ولكن يومها لم تكن عندي دراية باني يومها كنت استطيع أن أدينهم بالإنتحال ولكنها نصوص متواضعة على أي حال، في إحدى المنشورات الساخطة كان نصا يبكي أكثر منه مقال على أطفال حافلة المدرسة التي قضى منهم نحبه في تقاطع مثلث السوادي كما كنا نسميه، يومها بكيت ودخلت في حالة حزن هيستيري حين عرفت أن أحد الاطفال كان يقول لأخيه الذي كتبت له النجاة ” انا جوعان” فصبره أخوه الأكبر قائلا”رايحين البيت وماماه مجهزتنه العيش اصبر بتاكل”. يومها انحرم الطفل من الغداء وانحرم كل من سمع الخبر المؤسف وسمع اجراس نجدة الشرطة والإسعاف، استلت الكلمات من قعر بركان الغضب وفاضت يومها مؤلبة مستنجدة مطالبة بالاعتصام وإغلاق طريق مثلث السوادي وإن كلف ذلك الحبس أو الضرب، أذكر يومها أن أحد أعضاء السبلة كان يكتب بمعرف الناصري، تجاوب بشجاعة مع ماكتبت وبروح تاخذها الحماسة والغضب قال سأجمع اهلي وعشيرتي وسأبدأ بالحال، يومها تظافر الجميع وحتى العمال الوافدين في السوبر ماركت القريب قد غذت الجموع وامدتها بالعصائر المجانية والماء ( الانسانية لاجنسية معينة لها، يكفي ان تشعر بوجع الغير لتكون انسان)
كي لا أدخل وابتعد عن السرد فبقيت كاتبة تكتب من وراء الستار.
بعد مدة ولأسباب تخص بيئتي الجديدة وعملي كنت أرى الكثير ممن يسعى إلى الحصول على بطاقة العضوية في جمعية الكتاب والأدباء، فقدمت الطلب مع نماذج من كتاباتي في الأدراج والسبلة وقد جاء الرد بعد مدة أنه لايمكن ان أكون عضوة لأنه يومها لم يكن لديّ إصدار..
أتذكر اني سخطت على الرد وغضبت وأنا التي ربما اخذتني نشوة ذاتية ما يومها اتجاه نفسي كانت العاطفة فيه تتحدث بداخلي لاالمنطق.. بعدها قررت أن أكتب أكتب اي شيء، أي شيء يجول في داخلي، أي شيء فقط كي اصدر كتاب!!!، فجاءت رواية خضراء الدمن والذي كان أحد الاصدقاء بعدها أصدقهم وقال لي يا منى إن رواية خضراء الدمن هي مادة خام لرواية لا اعلم لماذا شعرت يومها بنقاء نصيحته واتخذتها واجبا كي ابدأ بعدها بإعادة هيكلة نفسي، علما أنه حين كنت قد بدأت كتابة رواية ثانية لم تكتمل فقد اوقفتها حتى اليوم واعدت حذف ٦٠٠٠ الاف كلمة منها وسلمتها للارشيف والأدراج ، جاءت رواية خضراء الدمن كصرخة، كاحتاج كإثبات مني لنفسي حين حدثتها بغرور واندفاع إني كاتبة من غير كتاب، ولاول مرة ساعترف بشيء لايعرف إلا شخص قريب أني لم أكتب الرواية كما قلت في اربعة اشهر لأسباب كان منها الا يتهمني البعض بالتسرع إلا أن تلك الرواية جاءت من بعد اربعة اسابيع من فكرتها
أعترف أن الرواية ربما فكرة غير عادية بجنونها وتفاصيلها وتكثيف المجاز واللغة الشعرية في السرد تشبه كثيرا تلك النصوص المفككة التي أتقن لعبتها فجاءت روايتي بلا ملامح ولا وجوه ولا اثاث واضح ولا شكل ورسم للمكان، كلما تعمقت في القراءة وكلما غصت في قاع الكتب أردد أني متهورة مندفعة …
خرجت الرواية على الملأ وربما ليس مجهولا ماحدث أيامها من شتم وقذف وتباين الآراء حول غوايتها ودسائسها وخرقها للأعراف والأدب على المستوى الجماهيري، وبين صمت الوسط الأدبي يومها على ما جرى لي، إلى الحد الذي شعرت فيه بعدائية منصوبة لي من وسط سعيت بكامل قواي العقلية يومها أن أنال شرف انتسابه وقربه، ربما كان موقفا لايخلو من السذاجة منها، بعدها جائتني أحاديث كثيرة ووصلت إلى مسامعي ان هناك من يتفه من شخصيتي لأسباب اجهلها إلى درجة ان أحدهم قال إنها مجرد سكرتيرة مسكينة!.
يومها عجزت أن أعرف الرابط بين كتابتي وعملي وحتى اللحظة لم أهتم كثيرا ولم أدخل في جدال أو نقاش يخص هذا الشأن فأنا أكتب وللناس ألسن ولايمكن أن نكون على مقاس مزاج الأخرين على أي حال..
أعترف اني تغيرت كثيرا، إلى الحد الذي لا إلتفات بعده، ليس لأنني أصبحت جورج صاند الكتابة ولا فرجينيا وولف الروايات، ولكن لأننا نصل إلى حد من الوعي بعد القراءة اننا كلما كبرنا كلما نظرنا إلى بعض أعمالنا بنوع من التفاهة وربما هناك نصوص لو استطعنا إعدامها لبترناها من ذاكرة القراء..
أما تصنيف ما أكتبه فلست معنية به كثيرا فقد رأيت البعض يهاجم فيه البعض مؤخرا لنشره كتب وهي ليست إلا خواطر، لأكتشف ان العنصرية والدوغمائية طالت حتى الأدب وأنها حرب يشنها فقط أشباه الأدباء…