شؤون عمانية- فايزة محمد
ناقشت رسالة ماجستير قدمتها الباحثة الإيرانية في الجامعة الحرة بطهران، سمية مشكوري، تأثير العوامل الشخصية على سياسة سلطنة عمان الخارجية تجاه الخليج، منذ تولي صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم –حفظه الله ورعاه- مقاليد الحكم في 23 يوليو سنة 1970 ، ودوره في تعزيز الأمن الإقليمي واستقرار وثبات المنطقة، بحكم الموقع الاستراتيجي لعمان في جنوب مضیق هرمز حیث الخط الدفاعي والحساس لمنطقة الخليج.
وركزت الرسالة على الجوانب الشخصية لصاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم، وما يتمتع به من شخصیة وكاريزمية وسلوك عقلاني متزن ومعتقدات دينية وسطية ومؤهلات الزعامة والقیادة التي جعلته يسارع في إقامة العلاقات مع مختلف البلاد وفتح سفارات أو قنصليات فيها والدعوة إلى التعاون مع البلدان العربیة والإسلامیة خاصة دول الجوار.
وتضمنت الرسالة التي جاءت بعنوان «تأثیر العوامل الشخصية على سياسة عمان الخارجیة تجاه الخلیج»، تسليط الضوء على معارضة السلطان قابوس لأي قرارات متشددة والدعوة إلی انتهاج سیاسات هادئة بعیدة عن الإفراط والتوترات، وذلك خلال اجتماعات مجلس التعاون الخليجي الذي نشأ في عام 1981م بهدف تشکیل ائتلاف عسکري إقلیمي لمواجهة العدو، ما أدى لظهور مواقف عمان من القضایا الإقلیمیة والعالمیة مختلفا مع مواقف بقية البلدان الأعضاء في هذا المجلس.
وأشارت الباحثة إلى أن خصائص شخصیة السلطان قابوس اعتُمدت مرجعا لرسم السیاسة الخارجیة للسلطنة، ما أدى لحدوث نهضة في مختلف المستويات بفضل رؤى وتطلعات ومواقف السلطان الداخلية والخارجية، الأمر الذي انعكس إيجابيا على تلاحم وتماسك الدولة مع الشعب ومشارکته في بناء البلد والعمل على رقیه وتطوره علی مختلف المستویات.
وتطرقت رسالة الباحثة الإيرانية، سمية مشكوري، إلى نظرة قادة العالم إلى السلطان قابوس، موضحة أنه يحظى باحترام خاص من جميع الزعماء والحكومات والشعوب بفضل عقلانيته و سياسته الحکیمة ونهجه القويم وتأنیه في اتخاذ القرار.
وخلُصت الباحثة إلى أن النتيجة التي وصلت إليها في نهاية البحث أن سلطنة عمان کانت قبل استلام السلطان قابوس السلطة عام 1970م بلدا منزویا قلیل الاتصال بالعالم الخارجي وما یدور خارج أسواره، لكنه سرعان ما تحول إلی دولة عصریة حدیثة متماسکة لها علاقات دبلوماسیة مع أکثر من 130 دولة في العالم، واحتلال البلاد موقعا ممیز في المحافل والمنظمات الإقلیمیة والعالمیة.
وشملت نتائج البحث أن سلطنة عمان تحظى اليوم باحترام الجمیع، بفضل عقلانیة قیادتها واتزان سیاستها الداخلیة والخارجیة، ودورها الفاعل والمتعادل علی الصعیدین الإقلیمي والدولي.
ولفتت الباحثة إلى أن السلطان قابوس اتخذ منهجا لإقامة العلاقات بين بلاده ودول العالم وفي مقدمتها الدول التي تطل على الخليج ومن بعدها الدول الآسيوية والأفريقية، ورفع شعار «لا نتدخل في أمور لا تعنينا» ما يعكس مبادراته المسالمة والمؤثرة لخلق الاستقرار والتعايش السلمي بين الشعوب بما يحقق المصالح المشتركة، مضيفة أن تشكيل الحكومة بدأ بتأسيس الوزارات المهمة مثل وزارة الاقتصاد في مارس 1971م، ثم وزارة الزراعة ثم الصناعة والثروة المائیة والجمارك والموانئ وتلتها وزارة الشؤون الاجتماعیة والخارجیة والتربیة والتعلیم والمالیة والدفاع والداخلیة والعدل والقضاء والأوقاف والطرق والسیاحة والخدمات.
وجاء في الرسالة أيضا أن الشعب العماني قبل استلام السلطان الحکم لم یمر بتجربة مشارکة الحکومة في اتخاذ القرارات، وکان الوزراء والمسؤولین آنذاك یحیلون مشاکلهم إلى الحاكم، لكن السلطان قابوس اعتبر ذلك خطأ غیر مقبول وعمل علی تصحیحه، وقرر تشکیل مجلس للوزراء ثم مجلس الدولة الاستشاري النواة التي خلقت مجلس الشورى عام 1991م وأعقبه تشکیل شوری الدولة ومجلس عمان عام 1997م.
ولم تغفل الباحثة عن مشاركة العمانيين في ظل حكم السلطان قابوس في انتخاب ممثليهم في مجلس الشوری، وحصة المرأة في هذا المجلس واهتمام السلطان بمكانتها في المجتمع وحرصه على الاستماع إلى مطالب الشعب ولقائهم وعمل جولات في المحافظات والقرى والأرياف للحديث معهم.
وسلطت الرسالة الضوء أيضا على اعتزاز السلطان بالأصالة والتراث العماني الذي ينتمي للجذور الإسلامية ونظرته للماضي كما ينظر للمستقبل، موضحة أن الدليل على ذلك عمق العلاقات التاریخیة بین هذا البلد وإیران في مختلف العصور.
وعن نشأة السلطان وتعليمه، قالت الباحثة إن الطبيعة الجغرافية من حيث الجبال والبحر رسخت في شخصيته الشجاعة والإباء والعطاء وعدم الاستسلام للمحتل واتخاذ المواقف المتزنة في ملفات معقدة مثل الأزمة السورية واليمنية، كما أن فرصة تحصيله الدراسي في الغرب منحته تجارب عدة طبق بعضا منها في بلاده بما يتناسب مع طبيعة عمان وتراثها الإسلامي والحضاري والثقافي.
وانتهت الرسالة إلى أنه بفضل السلطان قابوس تحولت سلطنة عمان من بلد فقير معزول إلى دولة حضارية عصرية ديمقراطية، فزاد حبه في قلوب المواطنين وأطلقوا عليه «الأب الروحي» ما ساعد في تطور البلاد بشكل سريع وحصول السلطان قابوس على جائزة «السلام» الدولية.
ومن بين الخطابات الخالدة التي أشارت لها الرسالة أنه في نوفمبر عام 1998م ألقی السلطان قابوس خطابا جاء فیه: «أنا أعتقد بأن أهم الواجبات التي تقع علینا جمیعا الیوم ونحن علی أعتاب قرن جديد هو إنهاء الظلم والاستبداد وسياسة القتل والاضطهاد وسحق کرامة الإنسان واحتلال أراضي الغير وتجاهل حقوق الإنسان، والسعي من أجل إقامة العدل وإنصاف المظلومين وفرض الأمن والاستقرار والسلام في جمیع أنحاء المعمورة».