محمد عبده الزغير*
في 20 نوفمبر من هذا العام 2019 تحتفل الامم المتحدة ومعها شعوب العالم بالذكرى ال (30) لإعلان اتفاقية حقوق الطفل التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب القرار (44/25) الصادر في دورتها الرابعة والأربعين المنعقدة يوم 20 تشرين الثاني/نوفمبر 1989.
وتعد اتفاقية حقوق الطفل من أكثر الاتفاقيات تقدماً وتفصيلاً، وتعتبر أيضاً معياراً أدنى متفق عليه دولياً لمعاملة الأطفال في كل مكان من العالم، كما أنها جزءً رئيسياً ومكملاً لقانون حقوق الإنسان الدولي. وللإضاءة الموجزة عن الاتفاقية ومدى تنفيذها على مستوى سلطنة عمان، يمكن عرض التالي:
1) اتفاقية حقوق الطفل والبروتوكولات الاختيارية الملحقة بها
اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية حقوق الطفل في 20 نوفمبر / تشرين ثان 1989، وفتح باب التوقيع عليها في نيويورك في 26يناير1990، ووفقا للمادة (49) من الاتفاقية، فقد بدأ دخولها حيز التنفيذ في 2 سبتمبر1990.
وتكتسب اتفاقية حقوق الطفل أهمية خاصة لأنها المرة الأولى في تاريخ القانون الدولي التي تتحدد فيها حقوق الأطفال ضمن اتفاقية ملزمة للدول التي تصادق عليها. وتتكون الاتفاقية من (54) مادة، موزعة على (3) أجزاء والديباجة، احتوى الجزء الأول، على (41 مادة) تضمنت المبادئ والحقوق الأساسية، والجزء الثاني على (4) مواد تختص بالتعهد واللجان، والجزء الثالث على (9) مواد تختص بالضوابط وغيرها. وتضفي الاتفاقية مكانة خاصة على أربعة مبادئ رئيسيه تشكل فلسفتها العامة وهي:
أ) مبدأ عدم التمييز (المادة 2)
ب) مبدأ المصلحة الفضلى للطفل (المادة 3)
ج) مبدأ الحق في الحماية والرعاية والنماء (المادة 6)
د) مبدأ المشاركة للأطفال (المادة 12)
وتشمل الاتفاقية الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للطفل. كما انها تجمع كل ما يتعلق بالطفل في المواثيق الدولية المختلفة.
وألزمت الاتفاقية الدول التي وقعت على الاتفاقية بإتباع الإجراءات اللازمة لتأمين أعلى مستوى ممكن من الموارد المتاحة لتحقيق هذه الحقوق.
والاتفاقية في حد ذاتها ملزمة للحكومات. فحكومة كل بلد هي المسئولة عن تأمين الالتزام بالمعايير التي وضعت في الاتفاقية، في الممارسة العملية، كإصدار القوانين والتشريعات، واتخاذ التدابير اللازمة، كما أن مؤسسات المجتمع المدني المختلفة والقطاع الخاص.. وغيرها، مسئولة في المشاركة لتحقيق الإجراءات المساعدة لإعمال حقوق الطفل.
ومنذ فبراير 1991، تقوم لجنة حقوق الطفل المكونة من (18) خبيرا دوليا، بالإشراف على تطبيق الاتفاقية التي صدقتها الدول، وذلك من خلال مناقشة التقارير المرفوعة من الحكومة والمنظمات غير الحكومية، والمنظمات الدولية المتخصصة. وبهذا الصدد أعدت لجنة حقوق الطفل مبادئ توجيهية عامة تتعلق بشكل ومضمون التقارير الأولية والدورية التي يتعين على الدول الأطراف تقديمها وفقا للمادة (44) من الاتفاقية.
ونظراً للتطورات التي حدثت بعد إقرار الاتفاقية وتحديداً في جوانب الأضرار والانتهاكات التي يتعرض لها الأطفال في النزاعات المسلحة، وإزاء تزايد ظاهرة بيع وبغاء الأطفال واستخدامهم في العروض والمواد الإباحية، والتي أكدتها التقارير الدولية لبعض الدول أو المنظمات الدولية والإقليمية، حيث كانت الحماية التي تكفلها الاتفاقية غير كافية لذلك، برزت الحاجة بشكل ملح لإعداد بروتوكولين اختياريين لاتفاقية حقوق الطفل من أجل تعزيز مستويات الحماية التي تكفلها الاتفاقية، وهو ما استدعى اعداد كل من البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراك الأطفال في النزاعات المسلحة والبروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن بيع الأطفال واستغلال الأطفال في البغاء وفي المواد الإباحية.
وقد اعتمدت الجمعية العامة البروتوكولين الاختياريين في 25 مايو 2000، بموجب القرار 54 / 263، ودخل البروتوكول الخاص باشتراك الأطفال في النزاعات المسلحة حيز التنفيذ في 21 فبراير 2002، بينما دخل البروتوكول الخاص ببيع الأطفال واستغلالهم في البغاء والمواد الإباحية، إلى حيز التنفيذ في 18 يناير 2002.
وتتولى لجنة حقوق الطفل الإشراف على مدى وفاء الدول الأطراف بكل من البروتوكولين الاختياريين، حيث يجب على الدول الأطراف تقديم تقرير إلى لجنة حقوق الطفل في غضون سنتين بعد دخول البروتوكول المعني حيز النفاذ، وتوفر فيه معلومات شاملة عن التدابير التي اتخذتها لتنفيذ أحكام البروتوكولين، وان تدرج بعد ذلك في التقارير التي تقدمها لاحقا إلى لجنة حقوق الطفل، وفقا للمادة 44 من الاتفاقية، أية معلومات إضافية فيما يتعلق بتنفيذ البروتوكول.
وكبقية الاتفاقيات المعنية بحماية حقوق الانسان التي تلحق بها بروتوكولات اختيارية في مجالات الشكاوى وتقديم البلاغات، وبناءً على توصية لجنة حقوق الانسان اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 19 ديسمبر 2011، البرتوكول الثالث الملحق باتفاقية حقوق الطفل بشأن تقديم البلاغات، ودخل حيز التنفيذ خلال العام 2012.
2) جهود سلطنة عمان في متابعة تنفيذ اتفاقية حقوق الطفل والبروتوكولين الاختياريين الملحقين بها
انضمت سلطنة عمان الى اتفاقية حقوق الطفل، في 9 ديسمبر 1996 بناءً على المرسوم السلطاني رقم (54/1996) والمعدل بالمرسوم السلطاني رقم (99/1996)، ودخلت الاتفاقية حيز التنفيذ في 8 يناير 1997. كما انضمت الى البروتوكولين الاختياريين الملحقين باتفاقية حقوق الطفل الاول بشأن اشراك الاطفال في النزاعات المسلحة والثاني بشأن بيع الاطفال واستغلال الأطفال في البغاء وفي المواد الاباحية، في 17 سبتمبر 2004 بالمرسوم السلطاني رقم (41/2004).
وقدمت السلطنة تقريرها الاولي عن مدى تنفيذها لاتفاقية حقوق الطفل في 5 يوليو 1999، وتم مناقشته بحضور وفد السلطنة بتاريخ 27 سبتمبر 2001. وتم تقديم التقرير الثاني بتاريخ 28 ابريل 2005، ومناقشته بحضور وفد السلطنة بتاريخ 13 سبتمبر 2006. كما قدمت تقريرها الجامع للتقريرين الثالث والرابع في 6 نوفمبر2013، وتمت مناقشته في جنيف بحضور وفد السلطنة برئاسة معالي الشيخ وزير التنمية الاجتماعية في 12 و13 يناير 2016. وفي هذه الجلسة الحوارية حازت السلطنة على تقدير اللجنة الدولية لحقوق الطفل بوصفها الدولة الصديقة لحقوق الطفل.
وقدمت السلطنة تقريرها الاولي بشأن اشتراك الاطفال في النزاعات المسلحة في 20 يناير 2009، وقدمت كذلك تقريرها الاولي بشأن بيع الاطفال ودعارة الاطفال واستخدامهم في العروض والمواد الاباحية في 19 يناير 2009، وجرى مناقشة التقريرين بحضور وفد السلطنة بتاريخ 12 يونيو 2009.
ولم تكتفِ السلطنة بالانضمام الى الاتفاقية والبروتوكولين الاختياريين الملحقين بها، وكذلك تقديم التقارير الاولية والدورية، وانما عملت على اتخاذ عددا من التدابير والاجراءات لإعمال الاتفاقية وتحقيق مؤشرات متقدمة في مجالات حقوق الطفل. وفيما يلي عرض عام لأهم ما تم انجازه:
– لجنة متابعة تنفيذ اتفاقية حقوق الطفل: تشكلت لجنة متابعة تنفيذ اتفاقية حقوق الطفل في وزارة التنمية الاجتماعية، بناءً على القرار الوزاري رقم 9 / 2001، والمعدل بالقرار الوزاري رقم 56 / 2009، وهدف تشكيلها العمل عل تفعيل مبادئ اتفاقية حقوق الطفل ووضع الآليات والبرامج اللازمة لضمان حقوق الطفل في السلطنة.
– اللجنة الوطنية لشؤون الأسرة: انشئت اللجنة بموجب المرسوم السلطاني رقم 12/2007م ، الذي نظَم عملها وحدد اختصاصاتها. ويرأس اللجنة معالي وزير التنمية الاجتماعية، وتضم في عضويتها الوكلاء في معظم الوزارات والمؤسسات الحكومية التي تعني بقضايا الأسرة والمرأة والطفل، وذلك انطلاقاً من الحرص على توثيق أواصر الأسرة، والحفاظ على قيمها ورعاية جميع أفرادها وتوفير الظروف المناسبة لتنمية قدراتهم وإمكاناتهم على الحفاظ على الأسرة العمانية.
وتجدر الإشارة إلى إن اللجنة الوطنية لشؤون الأسرة، تعالج في إطار مهامها قضايا المرأة والطفل من خلال منظومة الأسرة، وبالتالي تدمج حقوق هذه الفئات وغيرها (اليافعين والشباب) في مختلف الإجراءات الخاصة بالأسرة.
وتدارست اللجنة منذ تشكيلها عدداً من الموضوعات ذات الصلة بحقوق الطفل، ووجهت بشأنها التوصيات كإصدار قانون الطفل العماني، وتشكيل فرق عمل لدراسة الحالات الخاصة بالأطفال المعرضين للإساءة ولاحقا لجان حماية الطفل.
– عقد المؤتمر الوطني الاول للطفولة: شكل عقد المؤتمر الوطني الاول للطفولة خلال الفترة من11 الى 13 فبراير 2013 في مسقط، خطوة متقدمة في إطار تقييم ما تم تنفيذه لصالح حقوق الطفل في السلطنة بعد (17) من الانضمام الى اتفاقية حقوق الطفل. وتم في المؤتمر استعراض التقرير الدوري الجامع للتقريرين الثاني والثالث لحقوق الطفل واقراره، كما تم ايضا مناقشة توجهات الاستراتيجية الوطنية للطفولة، والمبادئ والحقوق التي اعتمدها مشروع قانون الطفل. بالإضافة الى مناقشة تقرير عام عن ما تحقيقه من جهود لصالح اعمال حقوق الطفل في السلطنة.
– قانون الطفل واللائحة التنفيذية: أضاف اصدار قانون الطفل في عمان الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (22 / 2014) في 19 مايو 2014، بعداً نوعياً الى السياسات والبرامج التي اتخذتها السلطنة لحماية حقوق الطفل في السلطنة، كونه كفل المسائل التشريعية لحقوق الطفل. واستند قانون الطفل على العديد من الأنظمة والقوانين والتشريعات المحلية ذات الصلة، وفي الاساس النظام الأساسي للدولة، وعدد واسع من القوانين، كقانون الجزاء العماني، وقانون الأحوال الشخصية، وقانون الأحوال المدنية، وقانون مساءلة الأحداث، وقانون رعاية وتأهيل المعاقين، واللائحة التنظيمية لدور الحضانة… وغيرها من القوانين واللوائح. وجاء صدور قانون الطفل استكمالاً ومسانداً للسياسات التي اتخذتها السلطنة ولضمان تطبيقها في إطار الواقع الاجتماعي. وتضمن القانون (79) مادة توزعت على (13) فصلا، اشتملت على الحقوق المدنية والصحية والاجتماعية والتعليمية والثقافية والاقتصادية، وحقوق الطفل ذي الإعاقة، بالإضافة الى تدابير وآليات الحماية وغيرها من الإجراءات.
وفي هذا الإطار صدرت اللائحة التنفيذية لقانون الطفل بالقرار الوزاري رقم 125 / 2019 بتاريخ 7 أغسطس 2019، وتضمنت اللائحة (131) مادة توزعت على (6) فصول، اختصت بمجالات حماية الطفل ودار الحضانة والرعاية البديلة والحضانة الأسرية وآليات الحماية والجزاءات.
– استراتيجية العمل الاجتماعي والاستراتيجية الوطنية للطفولة: استكمالا لجهود السلطنة بإعداد خطط سنوية قطاعية في مجالات الطفولة، وبالتوازي مع اعداد عدد من الوزارات استراتيجيات وخطط مستقبلية، كاستراتيجية العمل الاجتماعي لوزارة التنمية الاجتماعية (2016 – 2025)، والنظرة المستقبلية للنظام الصحي في السلطنة حتى عام 2050، شرعت وزارة التنمية الاجتماعية بالتنسيق مع الوزارات والجهات ذات العلاقة وبالتعاون مع مكتب اليونيسف بإعداد الاستراتيجية الوطنية للطفولة (2016 – 2025).
وتضمنت استراتيجيتا العمل الاجتماعي والنظرة المستقبلية للنظام الصحي، في مكوناتها عددا من التوجهات الاستراتيجية بشأن اعمال حقوق كل من الطفل والمرأة والاشخاص ذوي الاعاقة.
واعتمدت كل من استراتيجية العمل الاجتماعي والاستراتيجية الوطنية للطفولة، المقاربة المعتمدة على حقوق الانسان وعلى النهج الحقوقي لكفالة حقوق الطفل.
– آليات حماية الطفل: سعت وزارة التنمية الاجتماعية بالتنسيق مع الوزارات والجهات الحكومية المعنية الى تعزيز آليات حماية الطفل. وبناءً على قرار اللجنة الوطنية لشؤون الاسرة تم في عام 2008 تشكيل فرق عمل لدراسة الحالات الخاصة بالأطفال المعرضين للإساءة بالمحافظات والمناطق، بهدف متابعة حالات الاطفال الذين يتعرضون لسوء المعاملة والاهمال، ووضع الخطط والبرامج الوقائية والرعائية والعلاجية بالتعاون مع الجهات المتخصصة. وخلال السنوات من 2008 وحتى 2014، عملت فرق العمل على وضع أسس لتدابير حماية ووقاية الاطفال من الاساءة.
وبناءً على قانون الطفل تم تعديل آلية فرق عمل لدراسة الحالات الخاصة بالأطفال المعرضين للإساءة، الى لجان حماية الطفل منذ العام 2015. فوفقا للقرار الوزاري رقم (168 / 2015) تم انشاء ” لجان حماية الطفل ” من العنف أو الاستغلال او الاساءة، كما تم اعادة تشكيل اللجان وتحديد أعضائها، وزيادة عدد اللجان لتغطي جميع محافظات السلطنة.
وقامت وزارة التنمية الاجتماعية منذ العام الماضي 2014، بالتعاون مع مكتب اليونيسف في السلطنة، بتدريب عدداً من الاختصاصيات والاختصاصيين العمانيين العاملين في مجالات حماية الطفل من الوزارات والهيئات المختلفة، لضمان سير عملية لجان حماية الطفل، بفعالية. واستكملت المرحلة الثانية من التدريب في العام 2015، بإعداد الدليل المرجعي لحماية الاطفال المعرضين للعنف والاساءة، الذي تم تعميمه للمدربين والعاملين في مجالات حماية الطفل في الوزارات والجهات المعنية.
وبدأت الوزارة ايضا في العام 2015، باتخاذ التدابير لإنشاء خط حماية الطفل، حيث جرى التنسيق مع هيئة الاتصالات لاختيار الرقم ليكون (1100). كما تم تدريب فريق العمل الذي سيتلقى البلاغات، والقيام بزيارات للمعنيين الى عدد من الدول الخليجية والعربية للاطلاع على التجارب وتبادل الخبرات.. وغيرها من الاجراءات التنفيذية. وبدا العمل بخط حماية الطفل في يناير 2017، بهدف توفير المشورة والحماية للأطفال الذين يتعرضون لأي نوع من أنواع الإهمال أو الإساءة أو الحرمان أو الاستغلال وغيرها.
وبهذا تكون السلطنة قد مهدت من خلال التدابير العملية التي اتخذتها، الاساس لمنظومة حماية الطفل، التي تعتبر من أحد المكاسب للارتقاء بحقوق الانسان وحقوق الطفل.
* خبير شؤون الطفولة بالمديرية العامة للتنمية الأسرية في وزارة التنمية الاجتماعية