منى بنت سالم المعولية
العم المرحوم علي ابو سالم (مسحراتي المراغ) .. أصابته الدنيا باكرا بانكسارات أضافت لضعفه قوة، رجل بسيط الحال أو كما نقول على باب الله، يرعى أسرة مكونة من زوجته وثلاثة أطفال، كان العم علي هو مرسال الحارة أو كما يقال المطراش، والذي يعتمد عليه كبار السن أو غيرهم من الناس الذين لايجدون الوقت لإيصال دعوة الى مناسبة ما، كان العم علي يقوم بذلك متبرعا للمساعدة ولحبه لعمل الخير ، فهو الذي يختلق الوقت ليجيب أي طالب حتى لو كان على حساب نفسه، لقبه البعض بـ علي التاكسي وذلك لاستعداده النبيل على إيصال أي شيء يطلب منه أي شخص محتاج للمساعدة، كانت نفسه عفيفة جدا، يعمل بجهده وتعبه وسعيه للوفاء بمتطلبات الحياة، حتى قصمت الدنيا ظهره بإصابة زوجته بمرض عضال وهي في أوج شبابها، توفت على إثره تاركة ورائها فراغاً كبيراً وثلاث شجرات تحتاج للري والاهتمام؛ وهم أبنائه.
العم علي كان هو مسحراتي حارة المراغ بولاية بركاء، كان يحمل على كتفه مسؤلية استيقاظ الجميع للسحور في شهر رمضان والأهالي يضبطون استيقاظهم على صوته، حين كان يتعرض لظرف قاهر يمنعه من القيام بهذا العمل، كنت أسمع امي ونساء الحارة يعبرن عن مدى أسفهن أنهن ليلة البارحة لم يستيقظن ويوقظن أولادهن للسحور لأن العم علي لسبب ما لم يأتِ، أذكره جيدا بعد وفاة زوجته بين زقاق الحارة يدور بطبله ليوقظ الناس للسحور ساحباً معه اخلاصه لما يحب ويفعل وثلاثة أيتام أكبرهم لم يتجاوز التاسعة من العمر، لا أعتقد أن سكان قريتي (العروس الساحرة المراغ والمنحورة كقربان للحضارة) لايتذكر العم علي، بصولاته وجولاته و زعقاته، بحزنه ولطفه وطيبته وصبره، بـ سالم الذي أصبح رجلا وبشقيقات سالم اللاتي أصبحن أمهات فاضلات.
غرب نجم العم علي بحادث دهس، ضاعف من يتم أبناءه وأيتم أهل الحارة الذين أحبوه وعاشوا معه، رحل نقيا منذ أعوام ولكنه حفر في ذاكرتنا ذكريات تستدعيها أرشيفات الطفولة، فقد كان حاضرا في كل فرح وعزاء ومناسبة بروح لطيفة متسامحة ومتواضعة، روح أذكر منها عينين مرصعتين بالحزن المكتوم، ونفس زكية نقية في زمن التعفن، ودروب انقطعت اثار ساكنيها عنها وبيوت أصبحت ذكرى بملامح مطموسة وتركيبة سكانية مخلخلة ونسيج مجتمعي بعيد ومتباين، اصبحنا بعيدين كثيرا وقد تفتتنا بين المناطق ولكن تجمعنا ذكريات وأناس أحببناهم وغابوا عن أعيننا وبقت ذكراهم كالعم علي السيابي مسحراتي المراغ.
٢٠١٩/١١/٣