شؤون عمانية- جمانة اللواتي
مع هيمنة الأنترنت والتدفق السيبراني، وسلطة وسائل التواصل الإلكترونية مع إيجابياتها وسلبياتها الكثيرة التي تعدت خطابات الكراهية والمذهبية والعنصرية والتنمر حتى بين أبناء دول الخليج لاسيما في السنتين الأخيرتين، والذي لطالما كانوا يتغنون بقوة ترابطهم، ومع الضخ الهائل من المعلومات، صار الوضع أكثر شراسة حتى قال بعض المحللين والعلماء ان الحرب العالمية الثالثة ستكون حرباً الكترونية والتي أصبحنا نرى بوادر هذه الحرب الباردة السيبرانية من الان؛ على سبيل المثال سهولة القرصنة وتبادل معلومات سياسية واجتماعية وفردية مما يجعل الفرد متعرٍ أمام هذهِ الوسائل التي تدير حياته وتملك مفاتيح معلوماته الشخصية وحساباته المصرفية وغيرها، والتي من الممكن جداً أن يتسرب كل ما يتعلق به بين ليلة وضحاها.
سلطة الانترنت والضخ الهائل للمعلومات الكثيرة كانت سبباً في ظهور مصطلح الصيام الإلكتروني، والذي يعني الامتناع عن استخدام الانترنت لفترة من الزمن كلٌ حسب ظروفه وطبيعة عمله التي قد تكون معتمدةً بشكل كلي على الانترنت فمثلا يمكن للشخص أن يجرب الامتناع عن استخدام الانترنت لمدة عشرة أيام في كل ثلاثة أشهر، أو ثلاثة أيام في كل شهر، وهناك عدة دراسات من جامعات مختلفة بينت أن عملية الصيام الالكتروني ربما تكون حلاً للإدمان لدى البعض ويبعث بشعور الراحة والرضا لديهم.
و عندما نتحدث عن إدمان الانترنت فإن الكلمة ليست تعبيراً مجازياً و حسب ، بل أن مدمني الانترنت تنطبق عليهم بعض أعراض ادمان المخدرات أو الكحول مثل : الانشغال بالهاتف الذكي على مدار اليوم حتى أثناء ساعات النوم تراه يصحى ويغفو بين الحين والآخر ليراقب جهازه ، ويكون هاتفه أول ما تمسك به يداه عندما يصحى من النوم وآخر شيء يستعمله قبل النوم ، وفي حال غياب الهاتف او ضياع الشاحن تظهر عليه أعراض الغضب والاستنفار والعصبية مما يؤدي إلى تراجع كبير في العلاقات الاجتماعية لديه و في العمل و ممارسة أنشطته اليومية.
ومع كل هذه السلبيات ، لا يمكن أبداً أن ننكر أهمية هذه الوسائل في حياتنا وكم سهلت علينا الكثير من الأمور ولكن الفكرة هي في الوسطية والاعتدال و مراقبة الذات لكي لا نصل إلى مرحلة الإدمان وهذا أمرٌ يمكن الكشف عنه وتشخيصه عن طريق اتباع نظام الصيام الإلكتروني ، أذكر انه أثناء سنوات الدراسة كان موضوع الصيام تمريناً في أحد المقررات الإعلامية بحيث يتحدى المدرس الطالب بأن لا يستخدم هاتفه الذكي لمدة ١٠ أيام ويستبدله بهاتفٍ من الطراز القديم للمكالمات الضرورية فقط ، رغم دراستنا للإعلام الذي يعتمد بشكلٍ كبير على الانترنت بل قد يكون المستقبل كله يتمحور حول وسائل الإعلام الإلكترونية ولكن موضوع التحدي هذا كان هدفه تشخيص الطالب لنفسه إذا ما كان مصاباً بالإدمان أم لا والملفت في الأمر أن 90% من الطلاب لم يقدروا على تخطي هذا التحدي بنجاح.
قد يقول قائل أن عشرة أيام أيام بدون هاتف ذكي أمر بغاية الصعوبة، أعمالنا مرتبطة بالإنترنت والأخبار التي سننقطع عن الاتصال بالعالم إذا ما قمنا بعملية الصيام هذه، وهو أمرٌ منطقي حيث أن الانقطاع لفترةٍ طويلة قد يكون أمراً صعباً جداً في البداية ولكن الحل هنا يكون باستخدامالتدرج كتقليص فترة الصيام لمدة ثلاثة أيام أو الصيام من بعد السابعة مساءً إلى صباح اليوم التالي، أو مثلا الصيام في البدء عن عدد من مواقع التواصل الاجتماعي.
و بما أننا لا زالنا في شهر رمضان المبارك، و أجسامنا تعودت على الامتناع عن الطعام والشراب ، فلا ضير أن نجرب الصيام الإلكتروني خلال الأيام المتبقية خصوصا مع تعارض الكثير مما يُنشر في وسائل التواصل الاجتماعي من خطابات كراهية كثيرة سببها اجتماعي أو سياسي مع صيام شهر رمضان ، كما أنها فرصةٌ كبرى لتصفية الذهن والتفرغ للتواصل الاجتماعي الحقيقي و الذي يُعد من أبرز سمات هذا الشهر الفضيل وبالتالي إن لم يكن الصيام الإلكتروني حلاً للإدمان فإن فكرة ( الديتكوس ) والتخلص من التخمة الالكترونية تعتبر أمراً يستحق التجربة بالإضافة إلى أن نعرف في أي مرحلةٍ من الإدمان وصلنا.
*الصورة من شبكة المعلومات العالمية (الانترنت)