شؤون عمانية- جمانة اللواتي
حياة نجاح الأبناء وصلاحهم هو محور اهتمام الوالدين في الغالب، يبذلون جهدهم ليجعلوا من أبناءهم أشخاصاً متميزين في المجتمع على جميع الأصعدة، وكل أسرة تُربي أبناءها بالطريقة التي تعتقد بأنها الأمثل، إلا أن بعض أولياء الأمور يسلكون طريق العمل بدل أبناءهم في كل شيء فنراهم يتخذون كل القرارات من أصغرها إلى أكبرها دون الرجوع إلى رغبة الأبناء وتفضيلهم الشخصي.
خوفاً عليهم ..
خوفاً من المجتمع ..
سيطرة وتملك ..
يربونهم كما تربوا ..
الأسباب والمبررات كثيرة ولكن السؤال الأهم هو: هل هذهِ الطريقة تصنع من الأبناء شخصية واثقة مستقلة أم العكس؟ هل يفلح أسلوب التربية الذي كان متبعاً في زمن الآباء والأجداد؟ ماهي حدود الوالدين في التدخل بأخذ قرارات أبناءهم؟
هذه الأسئلة وغيرها يجيب عنها الشباب والمختصون في هذا الاستطلاع.
نعم للنصح لا للإلزام
يقول محمد البلوشي: حدث وأن عدلت عن رأيي الشخصي بإتخاذ أحد القرارات التي تخصني وهي اختيار التخصص الجامعي بعد مرحلة المدرسة، حيث أنني أردت الدراسة في مجال الإخراج وصناعة الأفلام، إلا أن والدي لم يكن مقتنعاً بذلك وطلب مني دراسة تخصص آخر، فقبلت بذلك إلا أن الأمر لم يفلح لعدة أسباب وتأخرت دراسياً لفترة من الزمن نتيجة العمل على تخليص الأوراق الرسمية والمعاملات وأعزو هذا التأخير إلى تضارب الرأي وعدم الاتفاق الذي حصل بيني وبين والدي.
ويضيف محمد: عائلتي كانت ترفض وبشكل قاطع أن أحمل آلة التصوير (الكاميرا) وأعمل بها ، لإيمانهم بأن لا مستقبل لهذا العمل ولكنني سعيت جاهداً لتوضيح الصورة لديهم والمجالات التي يمكنني العمل بها إلى أن اقتنعوا وأصبحوا يفهمونني أكثر من السابق ويستوعبون طبيعة عملي ودراستي.
ويستطرد: المسافة بين الأجيال لها دورٌ كبير في اختلاف الأراء ، صحيح أن التجربة الطويلة للوالدين اكسبتهم خبرةً في الحياة إلا أنه من الضروري أن يسعى الأهل لمعرفة طريقة تفكير أبناءهم ومحاولة التقرب منهم عن طريق فهم تفكيرهم.
أما أحمد علاء فيعتقد أنه لا بأس من تدخّل الأهل في حياة أبناءهم شريطة أن يكون هذا التدخل معقولاً، أي عن طريق النصح والارشاد وتوضيح أسباب الرفض وليس عن طريق اتخاذ القرار بأكمله بدل صاحب الأمر. مضيفًا: نرى بعض الأسر الذين يتغاضون وبكل سهولة عن رغبات أبناءهم ويجبرونهم على ما يفضلون هم حتى في أبسط الأمور، يقول لطفله يجب أن تلعب كرة القدم بينما هو يعشق السباحة مثلاً، أما في المواضيع المصيرية مثل اختيار التخصص وشريك الحياة هنا تصبح المشكلة كبيرة جداً عندما يقرر الإباء لأبنائهم ويملون عليهم تصرفاتهم.
ويضيف: بالنسبة لي ، أهلي لا يدخلون بالعادة ولكن ينصحونني ويوجهونني في بعض الأمور فمثلاً في موضوع دراستي كانت لديهم بعض التحفظات في التخصص الذي أرغب بدراسته وشرحوا لي وجهة نظرهم وتناقشنا.
ويوضح علاء أن الاختلافات الفكرية بين الجيلين أمرٌ طبيعي علينا تقبله ، وهذا ليس قصوراً في الأهل ولكن مسايرة أفكار الجيل الجديد ليس بسيطاً كما أن نصائح الأهل في كثير من الأحيان تكون نتاج خبرة وتجربة ويقدر قيمتها الأبناء بعد حين.
العائلة أولاً
تشير ( م.ط ) إلى أن تدخل الوالدين يعتمد على أمرين أساسين وهما : عمر الأبناء ومستوى الوعي لديهم، فإذا توفرت هذه العوامل بإمكانهم اتخاذ قرارتهم بأنفسهم بشرط عدم تجاوز الأخلاق والآداب .
وتقول: بالنسبة لي أنا على أتم الاستعداد لتغيير أي قرار يخصني إذا تعارض ذلك مع رأي أهلي ، لأن الأولوية عندي هي للعائلة ثم تأتي باقي الأمور وأنا على ايمان تام بأن الأهل يريدون مصلحة أبناءهم بالدرجة الأولى، شخصياً ضحيت بمسألة إكمال دراستي لأجل زوجي وابنتي.
أما بالنسبة لشايخ السيابي فإن رأي الأهل مهمٌ جداً بالنسبة لها حيث تقول: قبل أن اتخذ أي قرار يخصني لابد وأن استشير أهلي لأنني أثق في رأيهم وهدفهم الأول الذي يكمن في مصلحتي وكذلك بخبرتهم الطويلة، لذا فأنني أتفهم معارضتهم لي في بعض الأحيان والتي يرفقونها دائماً بتبرير منطقي وحوار وهذا ما يجعلني مرتاحة البال عند أخذ أي قرار لأنني استشرت فيه امي وأبي، وبالتالي أؤمن بضرورة تدخل الأهل ومعرفة ما يفكر ويخطط له أبناءهم ودعمهم بالنصح والإرشاد مع مراعاة الزمن والواقع الذي يعيشه الأبناء.
الخوف من المجتمع
تعتقد فاطمة موسى أن التوجيه والنصح والرقابة بطريقة معتدلة ومتزنة من قبل الأهل تخلق شخصية قوية مسؤولة وتستطيع أخذ قراراتها بنفسها بكل وعي.
وتقول: إذا تدّخل الأهل في كل شيء فهذا سيجعل من الأبناء يتمتعون بشخصيةً ضعيفة مهزوزة ومترددة لا تقدر على مواجهة المشاكل واتخاذ القرارات المناسبة ، وهذا الأمر لن يتغير في شخصيتهم إلا إذا انتبهوا لنقاط الضعف فيها وعملوا بجهد لتغييرها، أما إذا لم يلتفتوا لها سيكون صعباً بل مستحيلاً تغييرها.
وتعلق : مع بالغ الأسف لاحظتُ فئة كبيرة من الأهل بعيدون كل البعد عن استيعاب عقلية هذ الجيل، ولكن بالمقابل توجد هناك فئة أخرى تسعى جاهدة لتفهم الجيل، ومع ذلك فإن التحديات التي تواجه الوالدين كبيرة و كثيراً ما نرى بعض الأسر التي تدعي الثقافة والوعي ولكن حين يتعلق الموضوع بتربية الأبناء نراهم يسلكون مسلكاً تقليديا غير واعٍ؛ وذلك باستخدام الشدة في اللهجة أو في الضرب ولا يؤمنون بفكرة استشارة المختصين عندما تصعب عليهم بعض الأمور، و في المقابل نشاهد بعض الأسر ممن لم يتلقوا تعليمياً أكاديمياً ولكنهم في غاية التفاهم مع أبناءهم بل وأحفادهم كذلك؛ وذلك ينبع من اهتمامهم في تطوير أنفسهم والبحث عن أفضل السبل والوسائل في التعامل .
وعن أسباب التدخل الزائد من قبل بعض الأسر تقول فاطمة: الأسباب كثيرة ومختلفة ولكن أبرزها في اعتقادي هو: الخوف الكبير من المجتمع ونظرتهم، وكذلك الخوف من الوحدة وعدم وجود مساحة خاصة تشغلهم بإيجابية بعيدة عن الأبناء ، وكذلك حب التملك لدى بعض العوائل متناسين أن الأبناء نعمة من رب العالمين ويجب أن يهتموا بهم ويقوموا بتربيتهم بصورة حسنة تهيئهم للحياة ولكنهم ليسوا ملكاً للآباء ليتحكموا بهم بل هم كيان مستقل يحب أن يُحترم ويصان.
رأي المختصين
توضح سمية جميل / أخصائية اجتماعية أن موضوع التدخل في اتخاذ القرار من قبل الوالدين هو أمر شائع ولكن يجب أن يكون دون إكراه أو إجبار وإلغاء لشخصية الفرد مع اعطائهم الفرصة لكي يعيشوا حياتهم بطريقتهم الخاصة، وذلك بوضع هذا التدخل في إطار صحي. وأقصد بالإطار الصحي هنا (أن يقف حدوده عند بناء الثقة بالنفس لدى أبنائهم ومراقبة تصرفاتهم في مختلف المواقف) لذلك عند اتخاذ القرار يجب مناقشتهم وأخذ رأيهم فيه ومساعدتهم من دون التدخل في وضع القرار بل إعطائهم مفاتيح المسارات، وترك القرار النهائي لهم بين أيديهم، وبالتالي تكون لديهم القدرة على فرز خياراتهم بشكل أفضل ويمنحهم قدر أكبر على العطاء والشعور بالمسؤولية. دون القاء اللوم على متخذ القرار.
فدور الاباء يكون من خلال المراقبة والمتابعة ومشاركة ابنائهم في وضع القرارات ومناقشتهم فيها، ويترك القرار النهائي للإبن نفسه حتى لا يحدث ما لا يحمد عقباه.
من جانبها وضحت الدكتورة زكية البوسعيدية / استشاري أول طب أسرة أن التدخل الزائد في اتخاذ قرارات الأبناء عوضاً عنهم مسألة يبدأ حلها الأساسي باستيعاب الوالدين والأسرة لمفهوم الفصل بين حياتهم وحياة أبناءهم بما تتضمنها من اختلافات وفروق يحب إدراكها واحترام خصوصيتها، كما يجب على الأسرة أن تعي بأن لكل إبن من أبناءها شخصية مختلفة عن الأخر وميول مختلفة وتفكيرٌ مختلف وأن لكل فردٍ منهم احتياجاته الخاصة.
وأضافت البوسعيدية: فإذن الأمر أولاً وأخيراً يعود لثقافة الأسرة التي تنتمي لمجتمعٍ يفكر بطريقة معينة وبعاداتٍ معينة ، هذا المجتمع الذي على الرغم من وجود بوادر للتغير إلا أنه لا زال متمسكاً ببعض العادات، مثل: تدخل العائلة بأكملها في اتخاذ القرارات خصوصا التي تُعنى بالأبناء، والتي غالباً ما يتم اتخاذها من قبل المجموعة، مثل: الأعمام والأجداد والأخوال وغيرهم، و هذهِ الرابطة الاجتماعية في مجتمعاتنا شيءٌ حسن؛ ولكن يجب أن تتأطر بحدود، و أن يتعلم الوالدين في المقام الأول أن يقولوا ( لا ) للعائلة احتراما لرغبة أبناءهم وخصوصيتها و ليتمكنوا من خوض تجربتهم الخاصة، بالتالي فالمسألة تبدأ من الوالدين الذين يتحتم عليهم تغيير أنفسهم أولاً ثم تربية أبناءهم بطريقةٍ تعزز ثقتهم بأنفسهم وتعلمهم اتخاذ قراراتهم بثقة و بدون تردد وتحمل مسؤولية هذه القرارات مع بعض التوجيه والإرشاد الذي لا ضير فيه ، وهذا يبدأ بالنقاش من أصغر عمر ممكن ابتداء بمحاوره الأبناء وهم صغار عن سبب اختيارهم للعبةٍ معينة وصولاً إلى اختيار الأصدقاء والمواد الدراسية يليها التخصص الجامعي و شريك الحياة وغيرها من القرارات الصغيرة والكبيرة مع إعطاء المشورة وهذهِ الطريقة في التربية كفيلة بزرع الثقة في نفوس الأبناء حتى أنها تكون سبباً مهماً يمكنهم من خلاله رفض أي عرضٍ يُقدم لهم من أصدقاء السوء وغيرهم ويجنبهم الوقوع في العديد من المشاكل .