محمد عبده الزغير*
طالعتنا جريدة عمان يوم الأحد الموافق 31 / 3 / 2019 في صفحة الثقافي (ص 17) موضوعا بعنوان “رغم ذاكرة الشتات وأرق الصحراء- سيف الرحبي يمد يده من آخر العالم «لاستقبال الضواري»، بقلم الكاتب الكبير الأستاذ / احمد عبد الله الفلاحي، وهو واحد من القامات العمانية التي اثرت الحياة الثقافية في عمان منذ سبعينيات القرن العشرين.
وحمل موضوع الأستاذ الفلاحي، تسجيل شهادة تقدير لكاتب ومثقف عماني ذائع الصيت، وهو سيف الرحبي، الذي اضفت اليه، رئاسته تحرير مجلة نزوى الثقافية، بعداً عربيا ودوليا، بالإضافة الى عديد من اعماله الأدبية التي ترجمت الى عدد من اللغات الأجنبية. فكلاهما أشاد بهما شاعرنا الكبير المرحوم نزار قباني، الذي جمعته بهما علاقات صداقة متينة، تفسر حجم هاتين القامتين الكبيرتين احمد الفلاحي وسيف الرحبي، ومكانتهما في الشعر والنثر.
قال الشاعر نزار قباني في عام 1993 “أما أحمد الفلاحي فكان كتيبة من الشعر، والظرف، والرواية، والثقافة بطحتنا جميعاً على الأرض.. إنه واحد من الظرفاء العرب الذين سلموا من هذا العصر الثقافي الحديث الذي لا مثيل لغلاظته”. وقال كذلك في سيف الرحبي “كانت رحلتي العمانية كشفا لكبرياء الصخر وعنفوان البحر وتجليات الشعر إنها المرة الأولى التي أقابلك فيها فاكتشف كيف يتقابل الأصل والصورة في الشاعر الحقيقي وكيف يكون الكلام جميلا حين يسقط عنه أقنعة التشخيص والتلفيق والتثاقف الكاذب”.
لهذا السبب كان طعم قراءتي لموضوع الأستاذ الكبير احمد الفلاحي متميزا، خاصة وانه يوفي حق أستاذ كبير آخر وهو سيف الرحبي.
بدأ الأستاذ الفلاحي موضوعه بالمقولة التي سبق لي استعارتها منه عما كتبه الشاعر نزار قباني عن الكاتب سيف الرحبي. ثم تناول بدايات الإصدارات للكاتب سيف الرحبي منذ كتابه “نورسة الجنون” الذي صدر في دمشق سنة 1980، وتلاه “الجبل الأخضر” ، وحدد عددا من العناوين التي بقيت في الذاكرة، منها: “أجراس القطيعة”، و”رأس المسافر”، و “مدية واحدة لا تكفي لذبح عصفور”، و”رجل من الربع الخالي”، و”يد في آخر العالم”، و”جبال”، و”الصيد في الظلام”، و”الجندي الذي رأى الطائر في نومه”، و”مقبرة السلالة”، و”قوس قزح الصحراء”، و “قطارات بولاق الدكرور”، و”ذاكرة الشتات”، و”أرق الصحراء”، و”حوار الأمكنة والوجوه”، و”منازل الخطوة الأولى”، و”حياة على عجل”، و”شجرة الفرصاد”، و”صالة استقبال الضواري” و”رسائل في الشوق والفراغ”.
واشار الى انه صدرت للكاتب عناوين أخرى ملفتة تتابعت على مدى ست وثلاثين سنة متضمنة الكثير من الإبداع الراقي المتميز لغة وجملة وصورة.
وأثنى الكاتب الكبير الفلاحي على اعمال وجهود الكاتب الرحبي بعبارات اشادة مباشرة وغير مباشرة، قلما نجدها في الأعمال التي تشير إلى تقييم الآخر بشكل منصف، كإشاراته بان “الأدب العماني المعاصر يفاخر بتجربته الثرية ودوره المرموق” و” وكثير من الأكاديميين والمثقفين العرب لا يعرفون الكثير من كتاب عمان سوى سيف الرحبي المنشورة كتبه في كبرى دور النشر العربية والمترجم بعضها إلى لغات أجنبية..”، و” وكتابات سيف الرحبي في غالبيتها تذهب بقارئها إلى عوالم المدن البعيدة والأقطار القصية في الجزر النائية أو وسط المدن الواسعة المزدحمة ولكن أصداء عمان فيها تبدو ساطعة تبرق بين سطورها..”
كما تناول التعريف بالكاتب الرحبي ودوره وتجربته، بانه:
– يصنف ضمن كتاب الحداثة ومنظريها ولكنه في الوقت نفسه غير منقطع أبدا عن التراث العربي وما فيه من شعر ونثر ومواريث متعددة يراها قارئه واضحة بينة في نصوصه..،
– هو أيضا أحد رموز ما يطلق عليه الآن قصيدة النثر في الأدب العربي التي ذاعت وشاع أمرها ولقيت رواجا خلال السبعين سنة الأخيرة ومن خلاله وبعض رفاقه كان دخولها إلى عمان..،
– وبزغت مجلة «نزوى» على يديه عملاقة منذ ولادتها عام 1995 ترتقي وتتطور عددا بعد عدد حتى وصلت إلى المستوى العالي الذي بلغته الآن شاهدة له بالكفاءة والدقة وسعة الرؤية وغدت في مقدمة المجلات العربية الأدبية والبحثية المحتفى بها في أوساط الأكاديميين والكتاب والأدباء وأهل الفكر..،
– وتجربة سيف الرحبي الثرية المتدفقة بأصالتها وتشكلاتها لفتت أنظار النقاد والكتاب فذهبوا يتحسسونها ويفحصون مضامينها ومكوناتها متأملين ميزاتها وخصائصها فجرت أقلامهم بالكثير عنها وعن فرادتها..، ولتأكيد ذك أشار إلى بعض هؤلاء، منهم: د. محمد لطفي اليوسفي ود. حسام الخطيب والشاعر والناقد فاروق شوشة والشاعر والكاتب يوسف الخال والناقد د. سعد البازعي والناقد د. جبرا إبراهيم جبرا والشاعر محمد علي شمس الدين والناقد صبحي الحديدي والناقد شوقي. واقتطف مقولات بعضهم التي عرفت بالكاتب الرحبي وميزاته وفرادته في الكتابة.
وأختم الأستاذ الفلاحي موضوعه بشهادة اعتزاز مضمونها أن “أسلوب سيف الرحبي المتفرد في الكتابة أخرجته الموهبة القوية الفائرة من أعماق الذات وصقلته المكتسبات من خارجها عبر المعايشة والتجارب والمشاهدات والقراءات المنوعة. أسلوب شكل علامة بصمة خاصة له عرفها الناس واعتادوها ملتصقة به غير منتمية لسواه”.
وانا بدوري هنا، حرصت على عرض هذا الموضوع، تقديرا واحتراما لهاتين القامتين اللتان تعتز بهما منطقتنا العربية والإنسانية جمعاء، باعتبارهما نماذج يفتخر بها وتستحق التقدير.
*باحث مقيم في عُمان
مسقط، 31 / 3 / 2019