الكاتبة:رحمة الهدابية
قيل في الماضي بأن “كل ممنوع مرغوب”، كانت هذه العبارة تحمل الكثير من الأدلة والحقائق في ذلك العصر؛ لأن هذا الممنوع وبكل بساطة ما إن تلبث الناس أن تسمع عنه حتى تتهافت قلوبهم إليه ورغبتهم الجامحة باقتنائه والحصول عليه من أجل التعرف عليه عن قرب والاستفادة من محتواه، سواء أكان هذا المعروض كتابا أو اختراع أو حتى عالما أو صاحب فكر وتوجه آخر في المحيط الذي يعيش فيه.
إلا أن هذا الممنوع كان يبقى أحيانا بعيدا عن متناول الأيدي لاعتبارات عدة من بينها: شح الموارد وقلة الإمكانيات والوسائل المؤدية لاقتنائه أو الاستماع ورؤية هذا العالم أو التحدث ومناقشة صاحب هذا التوجه المختلف، فيبقى هذا الشيء ممنوعا وفقا للظروف الصعبة والإمكانيات القليلة التي تحده من وصوله إلى الناس في الوقت المحدد، وبذلك كان هؤلاء يحتاجون لفترة أطول حتى يحصلوا على ما يريدون اقتناءه بكل سهولة وسلاسة.
بيد أن الوضع قد أختلف جذريا في عصرنا الحالي عما كان عليه في السابق؛ فمع ثورة المعلومات والتكنولوجيا الهائلة وانفتاح العالم على مصراعيه غدا كل ما ينتج في الصين يباع في أمريكا وما يعرض في عمان يستخدم في أفريقيا، فأصبح بمقدور واستطاعة كل واحد منا الحصول على ما يريد من منتجات ومعروضات منوعة أو مشاهدة فلم معين أو الاستماع لحديث ذلك الشيخ أو غيره من الأشخاص مهما اختلفت لغتهم وجنسيتهم أو حتى ديانتهم التي يدينون بها في الزمان والمكان الذي نريده.
فثقافة المنع من الثقافات البدائية البالية والتي كانت تجدي كانت نفعا في العصور الماضية بسبب قلة الموارد والإمكانيات، إلا أنه ليس بمقدور أحد الآن أن يحجب ويمنع الفكر الآخر – مثلا – أو يصرف الناس عما يريدون الحصول عليه من أشياء مختلفة، فالأمور أصبحت سهلة وميسرة، كما أن الفضول وحب الاطلاع والتجربة لهما دور كبير في جعل ما يصعب الحصول عليه سهلا.
فعندما تقوم بمنع أي شيء لا تود له الظهور والانتشار بين الناس فأنت على العكس تماما تساهم إلى حد كبير في إشهار هذا الشيء المراد إخفاءه عن العامة بمجرد ما تعلن عنه في إحدى وسائل الإعلام بأنه تم منع هذا المنتج أو ذلك المعروض باختلاف مسمياته؛ لأن ثقافة المنع اليوم باتت من أهم وأنجح وسائل وأدوات الترويج والتسويق عند البعض لتمرير أشياءه ومخططاته الجيدة منها والرديئة.
لذلك لم تعد هذه الثقافة مجدية لمن لازال متمسكا بها لاعتقاده بأنه سوف يحمي بها مجتمعه من الظواهر السلبية والحد من المشاكل المتفاقمة.
فالفكر الآخر لا يمكن مقارعته إلا بالحجة القوية، فالناس لديها عقول تميز بها بين الحق والباطل والخير والشر والجميل والقبيح فلا أحد يحتاج الوصاية بأن ينوبه شخصا آخر يتحدث بلسانه فضلا عن التفكير عنه.
إذا ما أردنا مجتمعًا سليمًا، فلا من إعطاء الناس المساحة الكافية للتعبير وإبداء الآراء المختلفة ومناقشتها علانية حتى تكون الصورة أوضح من أن يتم التستر عن قضايا لا يتم التطرق إليها خوفا من انتشارها بين الناس لتخلف وراءها بعد ذلك آثاراً جسيمة يصعب حلها في المستقبل.