الكاتب: محمد ناصر العطوان **
في هذا البلد الذي يستقبل تقريباً ثلث نيازك الفضاء… سقط في قلبي نيزك.
فقط بمجرد أن يعلم الجميع أنك من الكويت، حتى تشعر أن كل القلوب فتحت لك وكل البيوت تهيّأت لاستقبالك، وكل الأرض أرضك وكل الناس أهلك…
في المطارين القديم والجديد، وفي الوادي، وبين أزقة القرى ذات التاريخ الضارب في القدم، وعلى رأس الجبل الأخضر وبين مسارات الأفلاج وفي قارب الصيد وداخل المؤسسات الحكومية، وفي نزوى وفي صور وفي ممرات أسواق مسقط ومع سائق التاكسي وفي حضرة المسجد، بين الشباب وفي ظل كبار السن… الجميع يحدثك عن الكويت وعظمتها وتاريخها وشعبها ومكارم أخلاقها وثقافتها وأصالتها وطيب حكامها.
لم يكن أحد منهم يحدثني كشخص، وكل من قابلتهم لم يعيروا اهتماماً لمن أكون وماذا أعمل وما هو أصلي أو مذهبي… حتى اسمي لم يكن مهماً في السياق… لقد كانوا يتحدثون مع الكويت، الجميع كان يعتبرني الكويت تسيرعلى قدمين، فيعبّرون عن حبهم لها واشتياقهم لأهلها.
بصراحة، لقد شعرت بأنني كنت أقطف ثمرة تاريخ طويل من العلاقات التاريخية بين الكويت والسلطنة… بين الشعب العماني كله وبين الشعب الكويتي كله، لقد كنت أقف في نقطة ألتقى فيها أجمل ما في الشعبين.
إنه شعورغريب، فإذا لم تزر السلطنة يوماً فسيكون هذا المقال بالنسبة إليك كأمين مكتبة يحدثك عن كتب لم تقرأها يوماً… فلم أرَ في حياتي مساحة جغرافية تشع إيجابية تجاه بلادي كما رأيتها في السلطنة، حتى السلاحف البحرية التي كانت تطل برأسها ونحن نسير بالقارب كادت تقول «نحبكم يا أهل الكويت»… ولا أدري هل من المبالغة في القول إذا قلت لك عزيزي القارئ الهمام يا من تشكو الزحام وسرقة اللئام إنني شعرت هناك بأنني أعيد اكتشاف الكويت كما لم أعهدها داخلها.
إن هذا المقال ليس إعلاناً سياحياً مدفوع التكاليف لدعوة الجميع لكي يزوروا عمان، فمما لاحظته هناك أن زوار السلطنة هم أولئك الذين يعرفون قدر السلطنة ويعشقون البلاد العتيقة وتفاصيل الجمال فيها، والسلطنة نفسها ليست في حاجة إلى من يبرز جمالها وليست في حاجة إلى قطاع سياحي يعتقد أن الخدمة مقابل الدفع… فقط يسعى هذا المقال جاهداً لكي يخرج إلى الوجود شعوركاتب كويتي تشكل وطنه أمامه في وطن لا يشابه وطنه في التضاريس باختلافات عميقة، ولكنه حاضر في النفوس بتضامنات أكيدة وصادقة.
والقصة الجيدة لا يمكن تلخيصها، ولكن أوامر الجريدة في التلخيص وتجنب الثرثرة رأفة بالقارئ ومساحة العمود تجبرني على أن أختم سريعاً رغم أن شهيتي مفتوحة للكتابة عن أهل السلطنة.
شكراً للصديق الرائع محمد المكتومي مدير قطاع بناء القدرات في اللجنة الوطنية للشباب على حسن الضيافة وجمال الابتسامة… وشكراً لكل الشباب العماني الذين قابلتهم لأكتشف أنني كنت أقابل نفسي فيهم.
شكراً لذلك الرجل الكبير الذي أجلسني بجانبه وكأني حفيده، ومن عيونه قبل لسانه عرفت كم هي بلادي وبلاده عظيمة.
شكرا للطفلتين ابتهاج وفاطمة والطفلين زياد وعبدالعزيز الذين قابلتهم بينما كنت أسير في مسار الأفلاج عبر الوادي، فجعلوني أكتشف أن الهوية ليست ما تكتب في الكتب فقط، ولكنها أيضاً ما تسطر في الطبيعة.
شكراً لكل الكويتيين الذين زرعوا المحبة في قلوب العمانيين على امتداد التاريخ، وشكراً لقلوب العمانيين التي كانت تثمر أمامي هذه المحبة حيث تنحدر مع أشعة الشمس في الصباح ومع انسيابية القمر في الليل.
*نشر في جريدة ” الراي” الكويتية بتاريخ 11 / 4 / 2018
**كاتب كويتي