بقلم: رحمة الهدابية.
على الرغم من رفاهية الحياة، وسعة العيش فيها، والتطور المادي الذي نشهده في مختلف جوانب الحياة، لاسيما ما نشهده في مجال التقنية والتكنولوجيا، من انتشار لافتٍ وسريع لهذه الأجهزة الذكية، وما صاحبها من تنوع واضح فيما حوته من برامج وتطبيقات؛ حوّلت عالمنا الواسع والكبير إلى قرية صغيرة، لا يكاد يخفى على أحد – مهما قصرت المسافات أو بعدت بينه والأخرين- ما يمرّون به من أفراح وأحزان، وما تحكمهم من أعراف وقوانين، ربما لم تسمع بها من قبل.
مع ذلك؛ لم يسعفنا هذا التطور الذي نحن فيه، وما تحويه هذه الأجهزة من تقنيات حديثة -تحرص كل شركة مصنعة على تزويد الأجهزة الذكية بها- أن نرقى قليلا بفكرنا وطريقة تفكيرنا في استغلال ما بحوزتنا من أدوات ووسائل سهّلت لنا الكثير من أمور حياتنا اليومية، بحيث صار الواحد منّا يُنهي معاملته في غضون دقائق معدودة فقط. وإنما على العكس تماما، أصبحنا نستشعر في أحيان كثيرة بأن هذه الأجهزة أضحت بمثابة معاول هدّامة -لا معاول بناءة- لكل ما هو جميل تميّزنا به عن غيرنا: من قيم ومبادئ إسلامية سمحة، وعادات وتقاليد جميلة، ورثناها عن أباءنا وأجدادنا.
لذلك تجد نفسك حائرا حيال ما أحدثته مواقع التواصل الاجتماعي، من همزٍ ولمزٍ بين الشعوب نفسها. فبمجرد أن يختلف الساسة حول قضية معينة؛ يبدأ كل شعب من هذه الشعوب – وبداعي الغيرة والدفاع عن رأي وقرار مسؤوله- بسبّ وشتم الشعب الآخر، يصل إلى حد القذف، والخوض في الأعراض، وكأنّ هذا الخلاف الذي وقع فيه هؤلاء الساسة خلاف حتمي لا نهاية له، غير مدركين ما يمكنهم فعله في هذه الأثناء باجتماعهم واصطفافهم خلف كلمة واحدة، كرسالة يوجهونها لكل مسؤول وقائد سياسي، مفادها: ضرورة الإسراع في إيجاد الحلول المناسبة لكل مشكلة عالقة؛ مما يجعل القادة أنفسهم في موضع الحرج من عدم الاستمرار والإطالة في مثل هذه الخلافات، والتفكير العاجل دائما وأبدأ في حل كل خلاف يقعوا فيه، واستحضار – في الوقت نفسه – أن ما يربطهم كشعوب عربية ومسلمة أسمى وأقوى من أن يفرقهم قرار سياسي عابر.
ناهيك عن غياب خصوصية الفرد، التي بدأنا نفقدها شيئا فشيئا في هذا العالم الافتراضي، وتنافس الكثير على إبراز حياته الشخصية، وعرض ما يقتنيه من ممتلكات كثيرة، ومقتنيات فاخرة؛ بغية الحصول على شهرة سريعة من وراء ذلك، دون أن ينظر الشخص في نفسه، ما الذي يمكن أن تنعكس عليه هذه الشهرة السلبية، من آثار وخيمة، ونتائج كارثية، لم تكن في الحسبان؛ إذا لم يمتلك هو في الأصل أسس وقواعد الشهرة الصحيحة التي تعينه على ذلك.
وكذلك نجد تأثيرها في تأزّم العلاقات الاجتماعية، متمثلا في: انزواء الشخص وانعزاله عن محيطه، والاكتفاء بالاتصال والتواصل عبر هذه الأجهزة؛ مما يفقده لذة التواصل ودفء المشاعر، التي يشعر بها عند الاتصال المباشر مع الآخرين.
وغيرها الكثير من السلوكيات والأخطاء الفادحة، التي اقترفناها بسبب هذه الوسائل، ليبقى السؤال الأهم والأبرز الآن، كيف لنا أن نغيّر ونعدّل من استخداماتنا السيئة التي ارتكبناها في السابق إلى استخدامات أكثر فعالية وإيجابية؟ تعمل في المقام الأول على تنمية وتطوير ذواتنا لينعكس أثره على الآخرين، وثانيا: يكون لها دور في مساندة ومناصرة قضاياهم الإنسانية العادلة والأخذ ما عند الغير، تحت مسمى: (التبادل الثقافي)، لأفكار وطبائع لا تتعارض مع روح ديننا الإسلامي الحنيف وعادات وتقاليد مجتمعاتنا.
لنخلص في النهاية إلى حقيقة واحدة، ألا وهي أننا بتنا في عصر كلما تطورنا فيه ماديا تراجعنا فكريا، وأصبح جلّ ما نملكه نقمة علينا.