بقلم:رحمة الهدابية
لا يستقيم أي بنيان – مهما علا شأنه وغدا شامخا يشار إليه بالبنان لجمال زخارفه وبهاء ألوانه- إلا باستقامة عموده وأساسه الذي قام عليه، كذلك الأمم والأوطان لا تبنى ولا ترقى إلى سلم المجد والتطور المنشود إلا على أكتاف أبنائها وسواعد شبابها؛ فوجود الشباب يعد ثروة حقيقية لا تقدر بثمن، ومهما امتلكت هذه الدولة أو تلك الموارد الطبيعية المختلفة والثروات النفطية الهائلة فإنها لن تعود عليها بالعوائد والأرباح ما لم تٌفعّل دور الشباب في استغلال هذه الموارد على النحو المرجو منها.
إن مرحلة الشباب هي مرحلة العطاء والإنجاز، والمرحلة الذهبية التي يمر بها أي إنسان؛ حيث فتوة الجسد وصلابته ونضج العقل ونمو فكره بشكل يجعل من هذا الشاب تواقا ومتلهفا للارتقاء بخطوات أكثر ثباتا واتزانا لمعانقة قمم الطموح والمعالي بكل عزيمة وإصرار في مختلف المجالات وعلى كافة الأصعدة، لذلك ينبغي أن يُعطى الشباب في المرحلة الهامة من حياتهم المساحة الكافية والفرصة المناسبة لإخراج ما يخبئونه في ذواتهم من قدرات عالية وإمكانيات جبارة كفيلة بتغيير معالم سياسة بلدانهم في الداخل والخارج على حد سواء إلى واقع أفضل ومستقبل مشرق.
وهذا ما أدركته بعض من دول العالم المتقدم كالصين، واليابان ، وسنغافورة ، وماليزيا ، والكوريتين وغيرها، ممن عانت لعقود طويلة من تعثر كبير وترهل واضح في اقتصادياتها وعلى كافة المستويات، إلا أن إيمانها العميق وإحساسها التام بأهمية دور الشباب وأنهم أساس التنمية وبناة الغد المنتظر، أسهم إلى حد كبير في جعلها من مصاف الدول المتقدمة، ونظرا لأهمية هذا الدور يقوم الكثير من أصحاب الخبرة من مختلف المجالات، والسياسية، والرياضية، والاجتماعية، والعسكرية… إلخ بترك منصبه عندما يصل إلى سن معينة ليس بسبب الوصول إلى سن التقاعد أو الضغط النفسي الذي يمارس على البعض ليترك مقر عمله، وإنما بدافع حبه الشديد لوطنه بأن يراه دوما محلقا في سماء الابداع والريادة، وإتاحة المجال للشباب لتسلم هذه المهمة والمسؤولية الصعبة. وخير ما نستدل به في هذا الصدد هو مهاتير محمد رئيس الوزراء الماليزي الأسبق الذي ضرب أروع الأمثلة في المواطن الصالح الذي يعشق بلده ولا يريد له غير الرفعة والسمو والقائد المؤمن بقدرات أبناء شعبه، لذلك ترك المكان لأبنائه الشباب من كلا الجنسين كل يعمل في مجاله بانتظام دقيق ومن دون أن يتطفل أي طرف بعمل الطرف الآخر ليكون فعله هذا رسالة لكل من يطلب العلا لبلاده، وقد أصبح فعله هذا فيما بعد بمثابة الإجابة المعهودة لديه عندما يُسأل في أي محفل أو مؤتمر يحضره عن سبب تنحيه عن منصبه على الرغم من النجاحات الواسعة والقفزات الباهرة التي حققها مع دولته في غضون عقدين من الزمان! وكان يرد بالقول: لابد أن يولى الشباب في المناصب الإدارية والقيادة العليا لما يتمتع به هؤلاء الشباب في هذه المرحلة من رغبة جامحة وهمة عالية لخدمة وطنهم.
الشباب هم عماد الأوطان، وهم الوقود المحفز لنهضة أي وطن، ومن الضروري احتواء هذه الفئة المنتجة واحتواء طاقاتها المتلهفة ببريق الأمل والتفاؤل لرقي وتقدم بلدانها بدلا من إضاعتها وإهدارها في أنشطة وممارسات تسئ للدولة قبل الشاب نفسه لسرعة انتشارها وصعوبة التحكم عليها.