أحمد بن حسن البحراني
هل يعقل أن تتبخر مدخرات الناس في لمح البصر، فقط لأن النص القانوني لم يكن واضحًا بما يكفي؟!
شهدت عُمان خلال السنوات الأخيرة قصصًا محزنة لمواطنين دفعوا أموالهم طمعًا في عوائد استثمارية “مضمونة”، فإذا بها تتلاشى في مشاريع وهمية أو صفقات لا وجود لها إلا على الورق. والنتيجة: أسر فقدت مدخرات العمر، وشباب خسروا ما ادّخروه لبناء مستقبلهم، وسوق موازٍ ينمو في الظل بعيدًا عن أي رقابة أو شفافية.
ثغرة خطيرة
القوانين الحالية في السلطنة، مثل قانون الجزاء وقانون الأوراق المالية، عالجت جوانب متفرقة من مسألة جمع الأموال، لكنها لم تتطرق بشكل صريح إلى توظيف أموال الجمهور للاستثمار دون ترخيص. النتيجة؟ نشوء ما يمكن تسميته “سوق ظل” يعمل بعيدًا عن أعين الرقابة، ويعرض أموال المواطنين لمخاطر جسيمة، في حين تبقى يد الجهات الرقابية مقيدة بنصوص غير كافية.
التجربة المصرية… دروس مستفادة
في ثمانينيات القرن الماضي، عانت مصر من ظاهرة “شركات توظيف الأموال”، التي ابتلعت مدخرات مئات الآلاف من الأسر. لم يقف المشرّع مكتوف اليدين، فأصدر القانون رقم 146 لسنة 1988، الذي وضع قواعد صارمة:
حظر تام على أي جهة غير مرخّصة أن تجمع أموالًا من الجمهور.
تعريف واضح لمفهوم “الجمهور”.
بطلان أي عقود مع شركات وهمية.
عقوبات رادعة تصل إلى السجن لسنوات، وغرامات بملايين، ورد الأموال إلى أصحابها.
بهذه الصرامة، جفّفت مصر منابع الفوضى الاستثمارية، وأعادت الثقة للأسواق.
الحاجة إلى قانون عُماني حاسم
اليوم، نحن في السلطنة أمام مفترق طرق. حماية أموال المواطنين ليست خيارًا، بل واجبًا وطنيًا. ومن هنا تبرز الحاجة إلى قانون واضح يتضمن:
حظرًا مطلقًا لجمع الأموال من الجمهور دون ترخيص رسمي.
تعريفًا صريحًا للجمهور، لمنع أي تلاعب.
بطلان العقود المبرمة مع جهات غير مرخصة.
عقوبات مشددة تشمل السجن ورد الأموال وغرامات لا تقل عن ضعف المبالغ المجمعة.
صلاحيات واسعة للجهات الرقابية لتجميد الحسابات والأصول فورًا عند الاشتباه.
خاتمة
إن ترك “سوق الظل” يتوسع يعني السماح بامتصاص مدخرات المواطنين وتحويلها إلى سراب. ولأن الاقتصاد العُماني قائم على الثقة والاستقرار، فإن سد هذه الثغرة التشريعية ضرورة عاجلة. تشريع عُماني حاسم لن يحمي أموال الناس فحسب، بل سيحصّن السوق الوطني من مغامرات خطيرة تهدد أمننا الاقتصادي والاجتماعي.