المحامي/ أحمد بن حسن البحراني
المقدمة
صدر قانون الإعلام بالمرسوم السلطاني رقم (58/2024) ليؤسس إطارًا قانونيًا جديدًا ينظم العمل الإعلامي في سلطنة عُمان. وجاءت اللائحة التنفيذية الصادرة بالقرار الوزاري رقم (165/2025) لتكون الترجمة العملية لهذا القانون، فترسم ملامح الأنشطة الإعلامية، وتحدد الشروط والإجراءات، وتضع القواعد المنظمة للحقوق والواجبات والجزاءات.
ولأن النصوص القانونية لا تُقرأ في فراغ، فإن هذه اللائحة ينبغي أن تُفهم في سياقها التاريخي والتشريعي؛ إذ سبقتها منظومة قديمة تمثلت في قانون المطبوعات والنشر لعام 1984، وما تبعه من قوانين متفرقة. والمقارنة بين القديم والجديد تكشف عن ملامح التحول التشريعي، وتوضح الفلسفة التي تقف وراء هذا التغيير.
المحور الأول: من النصوص القديمة إلى النصوص الجديدة
كان قانون المطبوعات والنشر لعام 1984 مشبعًا بالقيود التعجيزية: اشتراطات مالية ضخمة، وصيغة شركات مساهمة، ورقابة مسبقة على النشر، وقوائم طويلة من المحظورات. كان الهدف حينها السيطرة المحكمة على الإعلام، ومنع قيام مبادرات فردية أو مؤسسات صغيرة.
أما قانون الإعلام الجديد ومعه لائحته التنفيذية، فقد جاءا بفلسفة أكثر مرونة؛ إذ اعترفا بحرية الإعلام ضمن أحكام النظام الأساسي، وفتحا الباب أمام الأنشطة الإعلامية المتنوعة (الصحف، القنوات، المواقع الإلكترونية، الدعاية والإعلان…) لكن مع بقاء الترخيص شرطًا أساسيًا، وضمان استمرار سلطة وزارة الإعلام في الرقابة.
المحور الثاني: نطاق الأنشطة الإعلامية
حددت اللائحة التنفيذية الأنشطة الإعلامية التي تتطلب ترخيصًا، وهي واسعة وتشمل:
• الصحف والمجلات.
• القنوات السمعية والمرئية.
• وكالات الأنباء.
• أنشطة الدعاية والإعلان.
• الخدمات والاستشارات الإعلامية.
• المواقع والحسابات الإخبارية الإلكترونية.
هنا توسّع المشرّع ليشمل العالم الرقمي، الذي لم يكن حاضرًا في قانون 1984. لكنها في الوقت ذاته لم تستثنِ القنوات الإلكترونية (مثل قنوات اليوتيوب)، باعتبارها “قنوات مرئية”، ما يعني خضوعها للقانون متى مارست نشاطًا إعلاميًا منتظمًا.
المحور الثالث: الضمانات والإجراءات
أوجبت اللائحة على طالب الترخيص:
• تقديم طلب مستوفٍ للشروط.
• إيداع ضمان مالي تحدد قيمته اللائحة.
• الالتزام ببدء النشاط خلال أجل معيّن.
هذه الإجراءات تعكس محاولة للموازنة بين فتح الباب أمام المبادرات الإعلامية وضمان الجدية والانضباط، بخلاف القانون القديم الذي كان يجعل من الاشتراطات وسيلة إقصاء وتعجيز.
المحور الرابع: الحقوق والالتزامات
أكدت اللائحة جملة من الحقوق:
• حق الإعلامي في الاستقلالية وعدم التعرض للضغط.
• حقه في حماية مصادره (ضمن ضوابط الأمن الوطني).
• حق الرد والتصحيح لذوي الشأن.
وفي المقابل، ألزمت الإعلامي والوسيلة الإعلامية بالموضوعية، وعدم التمييز، واحترام القيم والثوابت الوطنية. أي أن الحرية مكفولة، لكن بضوابط تجعلها حرية مشروطة وليست مطلقة.
المحور الخامس: الجزاءات والعقوبات
نصّ القانون واللائحة على عقوبات تصل إلى السجن والغرامات الكبيرة لمن يزاول نشاطًا إعلاميًا بلا ترخيص أو يخالف محظورات النشر. وأجازت اللائحة للوزارة توقيع جزاءات إدارية (مثل الغرامة أو إيقاف البث) بقرارات مباشرة.
هنا يظهر بوضوح أن الحرية الممنوحة محاطة بسياج من العقوبات، ما يجعل ممارسة الإعلام تحتاج إلى وعي قانوني ومسؤولية مهنية عالية.
المحور السادس: الفلسفة التشريعية
الفلسفة الكامنة وراء اللائحة التنفيذية هي فلسفة الحرية المنظمة:
• لم يعد الهدف إغلاق الباب كما في الماضي، بل فتحه بشروط.
• لم يعد التشريع قائمًا على التعجيز، بل على التنظيم.
• لكن الدولة لم تتخلّ عن يدها الرقابية، بل أبقت على حقها في التدخل عند الحاجة.
إنها فلسفة تعكس الطابع الأبوي للنظام: الدولة تمنح أبناءها حرية نسبية، لكنها تحتفظ بالسلطة النهائية لضبط المسار.
الخاتمة
إن اللائحة التنفيذية لقانون الإعلام تمثل انتقالًا من عصر “التعجيز” إلى عصر “التنظيم”. فقد خففت من القيود الشكلية والمالية، ووسّعت دائرة الأنشطة الإعلامية المسموح بها، لكنها في المقابل أبقت على مركزية وزارة الإعلام كجهة ضابطة وحاكمة.
وبهذا، يمكن القول إن الإعلام العُماني يدخل اليوم مرحلة جديدة: مرحلة الاعتراف بأهمية الإعلام في التنمية الوطنية، ولكن ضمن حدود مرسومة توازن بين الحرية والرقابة، وبين الانفتاح والحفاظ على النظام العام. إنها خطوة إلى الأمام، لكنها خطوة محسوبة، تعكس رؤية الدولة للإعلام كسلاح ذي حدّين: إما أداة بناء أو وسيلة فوضى.