المحامي أحمد بن حسن البحراني
مقدمة
يُعد جمع المال من الجمهور أحد الأعمال التي قد تتخذ طابعًا خيريًا أو إنسانيًا، ولكنه في الوقت نفسه قد يشكل مدخلًا للاستغلال أو الاحتيال إذا لم يخضع للضوابط القانونية. ومن هذا المنطلق، جاء قانون الجزاء العماني – الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (٧/٢٠١٨) – لينظم هذا النشاط من خلال الفصل الرابع، المادتين (٢٩٩) و(٣٠٠)، ويضع الإطار القانوني الذي يوازن بين تشجيع العمل الخيري وحماية المجتمع من المخاطر.
أولاً: المادة (٢٩٩) – جمع المال داخل السلطنة دون ترخيص
تنص المادة على معاقبة كل من يوجه دعوة للتبرع أو يجمع المال من الجمهور بأي وسيلة دون ترخيص من الجهة المختصة، بالسجن من شهر إلى ثلاثة أشهر، أو الغرامة من (٢٠٠) إلى (٦٠٠) ريال عماني، أو بإحدى هاتين العقوبتين، مع جواز مصادرة الأموال المتحصلة.
كما تشدد العقوبة إلى الضعف في حالة التكرار.
المغزى القانوني: هذه المادة تهدف إلى ضمان أن أي عملية جمع أموال تخضع للرقابة، وأن هناك جهة مسؤولة تتحقق من الهدف والجهة المستفيدة، لحماية المتبرعين والمجتمع من الاحتيال أو سوء إدارة الأموال.
ثانياً: المادة (٣٠٠) – جمع المال وإرساله للخارج دون ترخيص
تتعلق هذه المادة بحالة أكثر خطورة، وهي جمع المال من الجمهور ثم إرساله إلى خارج السلطنة دون ترخيص، وتعاقب على ذلك بالسجن من ثلاثة أشهر إلى سنة، أو الغرامة من (١٠٠٠) إلى (٢٠٠٠) ريال عماني، أو بإحدى العقوبتين، مع جواز المصادرة، وتشدد العقوبة في حالة التكرار.
المغزى القانوني: إرسال الأموال للخارج دون ترخيص يضاعف المخاطر، نظرًا لصعوبة تتبع المال بعد خروجه من الدولة، واحتمال استخدامه في أغراض غير مشروعة أو ضارة بالأمن الوطني، مثل غسل الأموال أو تمويل الإرهاب.
البعد الفلسفي للتجريم
يعكس النص القانوني فلسفة الدولة الحارسة التي ترى في المال العام أو الجمعي قوةً يجب تنظيمها وحمايتها. الترخيص ليس عائقًا أمام العمل الخيري، بل أداة لضمان الشفافية والمساءلة، ومنع انحراف الأموال عن أهدافها المعلنة.
كما أن التشديد في المادة (٣٠٠) مقارنة بالمادة (٢٩٩) يعكس قاعدة قانونية واضحة: كلما زاد البُعد عن دائرة الرقابة، زادت العقوبة.
الخاتمة – قصة للعظة والعبرة
في إحدى القرى، ظهر رجل مجهول يحمل صندوقًا خشبيًا وينادي:
“تبرعوا للفقراء والمحتاجين، كل ريال سيوصل الخير إليهم.”
تحمس الناس ووضعوا ما استطاعوا من مال في الصندوق.
لكن بعد أيام، اكتشفوا أن الرجل أرسل الصندوق مع قافلة إلى مدينة بعيدة، ولا أحد يعرف مصير تلك الأموال.
تساءل أهل القرية:
“كيف نضمن أن أموالنا وصلت فعلًا لمن يحتاجها؟”
هذه القصة الرمزية ليست بعيدة عن الواقع، ولهذا جاء المشرّع العماني لينظم عملية جمع المال من الجمهور، ويضع شروطًا وعقوبات واضحة لمن يخالف، حتى يبقى باب الخير مفتوحًا، ولكن تحت مظلة الأمانة والشفافية.