إبراهيم بن محمد المحروقي
نائب رئيس مجلس إدارة الجمعية العمانية للفلك والفضاء
كهاوٍ وعاشقٍ للفلك، دائمًا ما أشعر أن النظر إلى السماء ليس مجرد شغفٍ علمي، بل هو باب عظيم للتأمل في خلق الله وقدرته. وحين نرصد ظاهرة مثل الخسوف الكلي للقمر، ونرى القمر يغيب تدريجيًا في ظل الأرض حتى يتحول إلى اللون الأحمر النحاسي، ينتابني شعور مزدوج: انبهار بجمال المشهد، وخشوع أمام عظمة الخالق الذي جعل هذا الكون يسير بدقة متناهية.
الإسلام دعانا إلى هذا النوع من التفكر، حيث يقول الله تعالى:
﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [آل عمران: 190].
هذه الآيات أشعر أنها تخاطبنا نحن الهواة والفلكيين بشكل مباشر، وكلما تأملت في السماء ازداد يقيني أن هذا النظام الكوني لم يأتِ عبثًا، بل هو دليل على حكمة وقدرة الله.
ومن رحمة الإسلام أنه جعل هذه الظواهر مرتبطة بالعبادة؛ ففي الخسوف نُذكَّر بصلاة الخسوف والدعاء والاستغفار. قال النبي ﷺ: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، لا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَصَلُّوا وَادْعُوا». وهنا يربط النبي بين الرصد والتعبد، بين العلم والإيمان.
بالنسبة لي، كل رصدٍ فلكي هو رحلة إيمانية أيضًا. حين نستخدم المناظير لرؤية الخسوف أو الهلال أو المجرات أو أي ظاهرة أخرى، لا أراها مجرد بيانات علمية، بل أراها رسالة تقول: هذا الكون مسخَّر لك لتتأمل وتزداد إيمانًا.
التأمل في الفلك يعلّمنا التواضع؛ فنحن أمام نظام كوني عظيم، ومجرات لا تُحصى، وأحداث فلكية متكررة تذكرنا بيوم القيامة، كما جاء في قوله تعالى: ﴿وَخَسَفَ الْقَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ﴾ [القيامة: 8-9]. كل ذلك يعيدنا لعبادة الله بخشوع أكبر.
لذلك أقول: رصد السماء ليس علمًا فقط، بل عبادة أيضًا. نحن نتأمل، ندرس، نوثّق، لكن الأهم أن قلوبنا تزداد يقينًا. فالخسوف والكسوف وكل ظاهرة فلكية هي “آيات” تدعونا أن نقترب من الله أكثر، ونجعل شغفنا بالسماء وسيلة للخشوع لا للانبهار فقط.