وسائل إعلام- شؤون عمانية
بينما يُحتفى بالذكاء الاصطناعي على أنه أعجوبة العصر الرقمي وثورة القرن 21، تتصاعد المخاوف من تأثيراته الجانبية في المجتمع والاقتصاد والبيئة.
التأثير في الوظائف
أحد أبرز المخاوف هو احتمال فقدان أعداد كبيرة من الناس لوظائفهم نتيجة الاعتماد المتزايد على آلات أقل تكلفة من اليد العاملة البشرية هذا ما نقلته عدد من وسائل الإعلام العربية والدولية. ورغم أن فكرة استبدال البشر بـ”الروبوتات” قد تبدو مغرية للبعض، إلا أن الواقع يفرض نفسه، فالغالبية بحاجة إلى مصدر دخل. ويشير العاملون في مجالات مثل هندسة البرمجيات والتمثيل الصوتي والتصميم “الجرافيكي”، إلى أنهم بدأوا يُستبدلون بالفعل بالتقنيات الحديثة.
ولا تزال الحكومات تتحرك ببطء لوضع خطط شاملة لمواجهة هذا التحدي، رغم التحذيرات الدولية المستمرة من جهات كبرى مثل المنتدى الاقتصادي العالمي.
الأضرار البيئية
تشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية يحتاج موارد حاسوبية هائلة، تعتمد على مراكز بيانات ضخمة تستهلك طاقة تعادل أحيانا استهلاك بعض الدول الصغيرة، مما يولد انبعاثات ملوثة وضوضاء بيئية.
وتتطلب هذه المراكز كميات كبيرة من المياه في وقت تتزايد فيه المخاوف من ندرتها. ورغم وعود الذكاء الاصطناعي بالكفاءة المستقبلية، يظل الأثر البيئي واقعا ملموسا لا يمكن تجاهله.
المراقبة
تتزايد المخاوف بشأن الخصوصية مع قدرات الذكاء الاصطناعي على جمع كمّ هائل من البيانات الشخصية وتحليلها. ومع اعتماد الشركات على مراقبة الموظفين، وانتشار “الكاميرات” المزودة بالذكاء الاصطناعي في المنازل والشوارع، واستخدام برامج التعرف إلى الوجوه، يلوح في الأفق عالم بلا زوايا آمنة بعيدا عن أعين التقنية.
التسلح
هناك مخاوف مشروعة من استخدام الذكاء الاصطناعي في صناعة أسلحة غير مسبوقة. وظهرت بالفعل كلاب آلية في الحرب بأوكرانيا لأغراض الاستطلاع والدعم، ومدافع آلية قادرة على إطلاق النار بإذن بشري. ورغم عدم وجود أسلحة ذات قتل ذاتي كامل حتى الآن، فإن احتمالية ظهورها تثير القلق. ومن الطائرات المسيّرة إلى الهجمات السيبرانية المدعومة بالذكاء الاصطناعي، تبدو الاحتمالات مقلقة بالفعل.
سرقة الملكية الفكرية
يستغل بعض عمالقة التكنولوجيا الإنتاج الفني والأدبي للمبدعين لتدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي دون تعويضهم، مما أثار غضبا واسعا بين المبدعين ونقاباتهم. ورغم المعارك القانونية المستمرة، تواصل الشركات استثمار مليارات الدولارات في البحث عن مصادر جديدة لتغذية نماذجها، مما يهدد مكانة حقوق المبدعين.
المعلومات المضللة
يتيح الذكاء الاصطناعي إنتاج معلومات مضللة بسرعة ونشرها، من مقاطع “فيديو” مزيفة إلى نظريات مؤامرة، بهدف زعزعة الاستقرار وتشويه الثقة بالمؤسسات. وعندما تعمل الخوارزميات على تعزيز قناعات الأفراد، فإنها تحيطهم بـ”فقاعات فكرية” قد تدفع نحو الانعزال أو التطرف. ومنذ رواية ماري شيلي “فرانكنشتاين”، مرورا بأفلام مثل “أوديسا الفضاء” و”ذا ماتريكس”، تم التحذير من مخاطر منح الآلات قدرة التفكير المستقل. وحتى الآن، يصعب تصور أن تنتقل الأدوات مثل “تشات جي بي تي” إلى كيانات قادرة على اتخاذ قرارات مؤذية للبشر. ومع ذلك، يظل احتمال “الذكاء الاصطناعي المنفلت”، أي التطور الذاتي خارج مصالح البشر، محل جدل واهتمام جاد، مما يستدعي وضع ضوابط ومعايير واضحة لضمان الأمان والشفافية.
الخوف وحده لا يكفي لمواجهة تحديات الذكاء الاصطناعي، والتعرف إلى المخاطر هو الخطوة الأولى. لكن المواجهة الحقيقية تتطلب رؤية عملية تعتمد على ضوابط وتشريعات واضحة، وأطر حوكمة وأسس أخلاقية تحكم استخدام هذه التقنية، لتكون أداة لخدمة الإنسان، لا تهديدا لمستقبله.