د. حمد محمد بن جويد الغيلاني/ كاتب وخبير بيئي
تعد التغيرات البيئية المتسارعة حول العالم، مؤشراً قويا، لواقع البيئة ومستقبلها، فغازات الميثان وثاني أكسيد الكربون وثاني أكسيد النيتروجين، أظهرت ارتفاعا عالميا كبيراً، لم تشهده الأرض منذ أكثر من 800 ألف عام، وخلال السنوات العشر الأخيرة (2013- 2023م) شهدت درجات الحرارة العالمية ارتفاعا (1.34- 1.41 درجة مئوية)، انعكس ذلك على تهديد (24%) من الأسماك في المياه العذبة وأصبحت معرضة للانقراض، كما أن ارتفاع درجات الحرارة الحالي بنسبة (1.5 درجة مئوية)، قد يؤدي إلى موت (70 – 80%) من الشعاب المرجانية الطبيعية حول العالم، ويؤدي التلوث العالمي كذلك إلى موت (9 مليون إنسان سنوياً)، وستتضاعف النفايات الصلبة خلال (2023م) والتي ينتج فيها (2.1 مليار طن) من النفايات، ليصل الحجم في عام (2050م) إلى (3.8مليار طن) من النفايات الصلبة.
ولو نظرنا إلى مياه الخليج العربي الضحلة، والتي يصل متوسط عمقها (36 م)، ولا تزيد أعمق نقطه فيها عن (100 متر) قرب مدخل مضيق هرمز، نجد أن هذه المياه هي الأكثر ازدحاما بالسفن في العالم، حيث يتجاوز عدد السفن التي تمر بها سنويا (50 ألف سفينة)، كما يوجد داخل الخليج أكثر من (64) حقلاً للنفط والغاز، وبها (74) ميناء بحري، ويزيد عدد محطات تحلية المياه عن (56) داخل الخليج العربي.
وخلال السنوات الماضية (1982- 2023م) حدث أكثر من (1459) حادث تسرب نفطي، تقدر كميات النفط التي تسربت لبحر الخليج (16 مليون برميل) خلال (1972- 2023م). كما تكررت ظاهرة المد الأحمر أكثر من (153 مرة) خلال الفترة (2012- 2020م)، وحدث نفوق للثروات البحرية (19 مرة)، كما سجلت (141) عاصفة رملية خلال (2015- 2024م).
تمتاز مياه الخليج العربي بجود أنواع فريدة من مرجان البحر (ما يقارب 60 نوعا)، والسلاحف صقرية المنقار، وهي أندر أنواع السلاحف حول العالم، وأكثرها عرضة للانقراض، ووجود أنواع من الحيتان والدلافين، ومنها الحوت برايد، أكثر أنواع الحيتان تواجدا داخل الخليج العربي، والحوت القاتل والحوت الاحدب، واللذان يدر مشاهدتهما داخل الخليج في السنوات الاخيره، كما يوجد بها أنواع عديدة من الدلافين ومنها، دلفين أنف القارورة، والدلفين طويل الأنف، والدلفين الدوار، ودلفين المحيط الهندي الهاي الاحدب، ودلفين المحيط الهندي الهادي المنقط، بالإضافة إلى عجل البحر، كما تتميز بحار الخليج العربي بوجود تجمعا كبيرا لأبقار البحر، وتضم كذلك تجمعا عالميا هاما لقرش الحوت، ويتوفر فيها 500 نوع من الأسماك، وأنواعا أخرى من القشريات والرخويات وغيرها. كما أن مياها تعد بيئة خصبة لنمو ثلاث أنواع رئيسية من الأعشاب البحرية، وأنواعا عديدة من الطحالب الخضراء والحمراء والبنية.
مياه الخليج ضحلة بشكل عام، وشبه مغلقة، كما أن التيارات البحرية في هذه المياه محدودة القوة، مقارنة بتيارات البحار المفتوحة والمحيطات، كما ان ارتفاع درجات الحرارة والملوحة داخل الخليج له تأثير كبير على حياة الكائنات البحرية والمرجان فيها، ولتخفيف من وطئه التغيرات البيئة العالمية والإقليمية، وخاصة في المياه البحرية للخليج العربي، لا بد من تعاون دولي لتقليل التأثيرات العالمية على البيئة والمناخ والتنوع الحيوي، كما أنه لا بد من تعاون إقليمي، وتفعيل دور المنظمة الإقليمية للبيئة البحرية (ROPME)، في بذل مزيد من الجهد في تقييم واقع البيئة في الخليج، ووضع الحلول المناسبة لتخفيف حدة المؤثرات والملوثات البيئية، بالإضافة إلى تفعيل التعاون بين دول المنطقة في تبادل المعلومات والخبرات البيئية، كما أن التعاون في المحافظة على الأنواع النادرة من الكائنات البحرية والمعرضة للانقراض، مثل الشعاب المرجانية الطبيعية والسلاحف البحرية والثديات مثل الحيتان والدلافين وأبقار البحر، وبعض أنواع الأسماك مثل قرش الحوت، قد يؤدي إلى التقليل من التأثيرات السلبية للتلوث والتغير المناخي، إن وجود مركز دراسات بيئية بحرية متقدم داخل الخليج العربي، تشارك فيه كل الدول المطلة على الخليج، قد يساهم بشكل أكثر فعالية، في تقييم مستويات الوضع البيئي الحالي، ويساعد في وضع البرامج والخطط لحماية بعض الأنواع، وخاصة النادرة والمعرضة للانقراض منها، والأنواع المهاجرة منها ، ويخفف من تأثير التغيرات البيئية على التنوع الحيوي وعلى الإنسان.