سلمان الفارسي/ عضو المجلس البلدي بمحافظة جنوب الشرقية ممثل ولاية مصيرة
منذ إشراقة النهضة المباركة عام 1970 حملت سلطنة عُمان رؤية واضحة لمستقبل يليق بإنسانها وتاريخها العريق، و قد شكّلت الإدارة المحلية واحدة من الركائز المهمة التي استندت إليها مسيرة البناء الوطني. يومًا بعد يوم، ترسّخت مفاهيم اللامركزية و برزت مؤسسات جديدة تُعزز من دور المواطن وتقرّب القرار من مواقع التنفيذ والاحتياج.
اليوم ونحن نعيش عهد النهضة المتجددة بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم – حفظه الله ورعاه – تتعزز هذه المسيرة بخطى واثقة وإرادة سامية واضحة. لقد أولى جلالته اهتمامًا بالغًا بتطوير منظومة الإدارة المحلية إدراكًا منه لأهمية تمكين المحافظات والولايات من أداء دورها التنموي والاقتصادي والخدمي بما يحقق رؤية “عُمان 2040” بكل أبعادها.
لقد شكّل صدور قانون نظام المحافظات وقانون المجالس البلدية محطة مفصلية في تطور الإدارة المحلية حيث أصبحت للمحافظات صلاحيات أوسع وخُطط أكثر استقلالية وأدوارًا أوضح للمحافظين والولاة وأعضاء المجالس البلدية.
وما نراه اليوم من تحول في طريقة إدارة المحافظات لم يأتِ من فراغ بل هو نتيجة رؤية سلطانية ثاقبة تُدرك أن التنمية لا تتحقق من المركز فقط بل من كل ولاية وقرية ومجتمع محلي. فكل محافظة اليوم باتت مطالبة بأن تُسهم بدور فاعل في تطوير اقتصادها المحلي وجذب الاستثمارات وتحسين جودة الخدمات العامة بالتكامل مع الوزارات المركزية والقطاع الخاص.
ومن هذا المنطلق فإن المحافظ اليوم لا يُنظر إليه فقط كحلقة إدارية عليا بل كقائد تنفيذي ميداني يحمل على عاتقه مسؤولية النهوض الشامل بالمحافظة بالتعاون مع الولاة والمجالس البلدية التي تمثل صوت المواطنين وتترجم تطلعاتهم.
وتأتي رؤية “عُمان 2040” لتؤكد على ضرورة تمكين المحافظات وتعزيز الحوكمة المحلية وإشراك المجتمع في اتخاذ القرار وهي أهداف لم تعد طموحات مستقبلية فحسب بل بدأت تتجسّد في واقعنا الحالي من خلال المشاريع النوعية والبرامج التنموية اللامركزية وفتح المجال أمام الأفكار و المبادرات المحلية.
ومن خلال تجربتي الشخصية كعضو في المجلس البلدي فقد لمست عن قرب حجم التحوّل الذي تعيشه ولايات السلطنة في ظل التمكين الإداري الجديد. أصبحنا أكثر قدرة على الاستماع لصوت المواطن وتحليل التحديات المحلية بدقة وطرح المقترحات بشكل مؤسسي والتنسيق المباشر مع مكاتب أصحاب السعادة المحافظين والولاة. هذه التجربة عززت قناعتي بأن الإدارة المحلية ليست فقط مسؤولية بل شرف وطني عظيم يتطلب تفاعلًا يوميًا ومصداقية عالية.
وفي هذا السياق يجب التأكيد على أن المسؤوليات اليوم مشتركة. فالمحافظ والوالي وعضو المجلس البلدي، جميعهم مطالبون بأن يكونوا على تماسّ مباشر مع الناس، وبأن يتحلوا بالشفافية وسرعة الاستجابة والقدرة على تحويل الخطط إلى واقع ملموس يشعر به المواطن في حياته اليومية.
ختامًا فإننا نؤمن بأن الإدارة المحلية هي الواجهة الحقيقية للعمل الحكومي وهي المرآة التي تعكس نجاح الدولة في تحقيق تطلعات شعبها. ولذا، فإن ما نشهده اليوم من تطور ملحوظ في هذا الجانب إنما هو ثمرة من ثمار عهد حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم – أيده الله – الذي أرسى دعائم نهضة ثانية لا تقل شأنًا عن الأولى، بل تُبنى عليها وتتجاوزها نحو المستقبل بثقة ووضوح.
حفظ الله عُمان وأدام قائدها وسدد على طريق الخير خُطاها.