عادل بن رمضان مستهيل
adel.ramadan@outlook.com
كثير من الناس يُولَدون بطباعٍ معيّنة، ويُصرّون على أنها “جزء من شخصيتهم”، وكأنّ الشخصية مادة صلبة لا تلين، ولا تُعجن، ولا حتى تخجل!
“بوطَبيع” (صاحب الطبع أو السلوك السلبي) هذا النموذج المتكرّر في حياتنا، لا يتوب. لا تهمّه نصيحةُ حكيم، ولا تُوقظه صفعةُ الأيام، ولا حتى لو دفع الثمن غاليًا — كأن يُقصّ إصبعه حرفيًا — سيبقى على طبعه.
فإن كان فضوليًا، لا يسعه إلا أن يغمس أنفه في ما لا يعنيه. وإن كان كذّابًا، يُقسم لك بالله ثلاثًا أن السماء خضراء وهو يحدّق في زرقتها. وإن كان نمّامًا، تجده ينقل الكلام أسرع من إشعارات الهاتف، ويختتم كل جملة بـ”والله ما حبيت أقول بس…”
والأغرب من هذا كله أن “بوطَبيع” غالبًا ما يُقدّم أعذاره بعبارات مثل: “أنا كذا، ومالي دخل”، أو “ما أقدر أغيّر نفسي”، وكأنّ التغيير جريمة، أو كأنّه اعترافٌ ضمنيّ بأنّ الراحة في الفوضى أجمل من عناء التهذيب.
عزيزي القارئ، لا تنخدع بمن يقول “أنا صريح” وهو في الحقيقة وقِح، أو بمن يدّعي “الطيبة” بينما هو متطفّل مزمن. ولا تُصدّق من يتحجّج بـ”الطبع” وهو يرفُض كل محاولةٍ للتغيير. فالإنسان ليس شجرة زرعتها العواصف في مكانها، بل كائنٌ لديه عقل، وإرادة، وقلبٌ ينبض إن أراد أن يتغيّر.
ولكي نكون منصفين، ليس كلّ من يحمل طبعًا صعبًا مذنبًا؛ فبعض الطباع وُلدنا بها، وبعضها اكتسبناه من محيطنا. لكنّ الفرق بين الإنسان العاقل و”بوطَبيع” العنيد، أن الأول يعترف بنقائصه ويحاول، والثاني يتغنّى بها كأنها أوسمةٌ على صدره.
إذا رأيت “بوطَبيع” في حياتك — سواء في البيت، أو العمل، أو حتى في المرآة — فتذكّر أن القصّ لا يغيّر الجوهر، وأن “قصّ الإصبع” ليس حلًّا ما دام الرأس مصرًّا على العناد. ومن لا يملك رغبةً حقيقية في التغيير، سيظل يدور في نفس الدائرة، ويعود لنفس العادة، كأنّ الزمن لا يعلّمه شيئًا.
فيا “بوطَبيع”… تُب قبل أن يقصّوك فعلًا، ليس إصبعك، بل فُرصك في الحياة، واحدةً تلو الأخرى.
قال الله تعالى:
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾
— سورة الرعد، الآية 11
