محمد بن علي الوهيبي/ كاتب عُماني
أبهجني كثيرًا هذا الخبر الذي طالعته في منصة (X ) “جامعة ظفار تُشيد بالمبادرة الكريمة لمعالي الشيخ مستهيل بن أحمد المعشني الموقر، بإيقاف حصته في الجامعة (٢٧٪) لصالح العمل الخيري من خلال مؤسسته الوقفية ويُعد هذا القرار امتداداً لعطائه السخي الذي تجلى في تخصيص 20 مليون ريال من ثروته للأعمال الخيرية”
لا شك أن هناك الكثير من الأخبار السعيدة في هذا الجانب مثل أعمال وأوقاف الشيخ سعود بهوان رحمه الله وأخيه الشيخ سهيل اطال الله في عمره، وهناك الكثير من المحسنين في بلادنا لا يسعنا المجال لذكرهم.
لابد من الوقوف والالتفات والإشارة إلى هذه الأعمال الرائعة والطيبة والإشادة بأصحابها بأعتبارهم قدوة حسنة في مجال العمل الإنساني، وفي توفير الدعم لوطنهم ومجتمعهم.
في ولاية العامرات استوقفتني تلك اللوحة الرخامية البيضاء المعلّقة عند مدخل مجمع مرتفعات العامرات الصحي، الصامتة في ظاهرها، الناطقة في جوهرها، وقد كُتب عليها بمداد الخير والصلاح والوفاء “تم افتتاح مجمع مرتفعات العامرات الصحي بتاريخ 27/1/2025، وقد تم إنشاء هذا المجمع على نفقة علي وعبد الكريم ابني حسن بن سليمان اللواتي، عن والديهما، بالتعاون مع المؤسسة الوقفية (أثر).”
انتهى المكتوب على اللوحة، لكن لم ينتهِ الأثر، فمثل هذا العطاء والسخاء لا ينتهي بل يزهر في الذاكرة ويمتد في حياة الناس، يتجلّى في ابتسامة مريض بعد الشفاء من سقم، أو دعوة صادقة تُرفع في العلن أو في الخفاء.
رحم الله الوالدين، وأجزل المثوبة للابنين اللذين حملا عرفان البرّ، وترجما الوفاء إلى خدمةٍ تنبض بالرحمة والإنسانية حين تم إنشاء هذا الصرح الطبي الذي لا يُقدم الدعم للجسد فحسب بل يُبهج الأرواح ويجلب الطمأنينة للقلوب، خاصة في ولايةٍ كالعامرات التي تشهد نموًا سكانيًا متسارعًا يستحق أن يُقابَل بخدمات توفر لقاطنيها الراحة، وتجنبهم مشقة الانتظار ومعاناته الطويلة ناهيك عن قطع مسافات بعيدة للحصول على تلك الخدمات.
جاء بيان وكالة الأنباء العمانية بمناسبة افتتاح هذا المجمع الصحي ليؤكد أن هذه الخطوة تمثل نقلة نوعية في مسيرة تطوير المنظومة الصحية بهذه الولاية، كما ورد في التفاصيل التي وجب سردها فيما يلي:
“ويقدم مشروع مجمع مرتفعات العامرات الصحي الذي بلغت تكلفته 750 ألف ريال عُماني واستغرق تشييده وتجهيزه 16 شهرًا على مساحة 15 ألف متر مربع، مجموعة من الخدمات المتكاملة في الرعاية الصحية الأولية، تشمل عيادات الطب العام، وبرنامج التحصين الموسع، إضافة إلى مجموعة من العيادات المتخصصة مثل عيادة الأمراض المزمنة، وعيادة الضغط والسكري، وعيادة الربو، ويضم المجمع أيضًا عيادات خاصة لرعاية الحوامل، وبرنامج الكشف المبكر للأمراض غير المعدية، وفحص سرطان الثدي، وفحص كبار السن، وعيادة مكافحة التدخين، وفي جانب الرعاية التخصصية، فإن المجمع يضم مجموعة من العيادات الثانوية المتخصصة مثل العيادة الباطنية، وعيادة طب الأطفال، وعيادة الأنف والأذن والحنجرة، وعيادة طب العيون، والمختبر، والصيدلية، وغرفتين للمعاينة، وقاعة للاجتماعات والتدريب، وغرفة للتحكم بأجهزة الحاسب الآلي، ويشتمل المجمع على 19 سريرًا قابلة للزيادة موزعة على العيادات المختلفة في المجمع.”
في ربوع هذا الوطن هناك رجالًا ونساءً اختاروا أن يكتبوا أسماءهم في سجلات العطاء وفي ذاكرة البذل والكرم فسخّروا مما رزقهم الله مشاريع وقفية صحية وتعليمية ودينية، تُوفر لمواطني بلادهم بعض الاحتياجات الضرورية لمعيشتهم، تعينهم وتسعدهم وتمد الحياة بأسبابها، ومن خلالها كسبوا الأجر والثواب الدائم ومحبة الناس، وردّوا بعضًا من الجميل لوطنهم الذي عجز عنه الكلام وفاضت به النوايا النبيلة.
سألت نفسي هل كل من آتاه الله من فيض النعم ما يكفيه ويكفي من بعده، يُفكر في أن يترك أثرًا خالدًا؟ ويخرج من هذه الدنيا بفضل عظيم كهذا الفضل.
حديث لا يجرح، ولا يحسد، بل حوار دار بيني وبين نفسي، عن معنى البذل حين يصبح صدقة جارية لا تنقطع، وعن المال حين يصير رسالة.