شؤون عُمانية
حقق حمد بن محمد بن جمعة المرجبي (1840–1905م)، المعروف بلقب “تيبو تيب”، شهرة تقترب من الأسطورة، تخطت حدود القارات واللغات والثقافات. وقد توفرت لهذه الشخصية العُمانية الفريدة عوامل عدّة ساهمت في رواجها وانتشارها، لعل أبرزها العامل التاريخي، إذ جاء “تيبو تيب” في زمن الكشوف الجغرافية، حين كان العالم منشغلاً بفهم خريطة الأرض، والتساؤل عن منابع نهر النيل وخبايا القارة الإفريقية.
يُعد المرجبي من أشهر التجار العُمانيين في شرق إفريقيا مطلع القرن التاسع عشر. وُلد في قرية كوارارا بزنجبار عام 1840م، حيث نشأ وتلقى تعليماً دينياً. بدأ مسيرته التجارية مبكراً، ولم يتجاوز الثانية عشرة من عمره، حين اقترض اثني عشر ريالاً اشترى بها ملحاً وسافر به إلى دار السلام ومناطق قريبة. وسرعان ما أظهر براعة تجارية لافتة، جعلت والده يضعه على رأس قافلة تجارية، قبل أن يشرع في تنفيذ تجارته الخاصة، مستعينًا بحراسة مشددة وقيادة فذة.
نشط المرجبي في تجارة العاج بالدرجة الأولى، إضافة إلى الخرز والشبة وسلع أخرى، كما عقد صفقات لتوفير عمالة مدفوعة الأجر للشركات الأوروبية التي كانت تعمل على إنشاء البنية التحتية في إفريقيا. وقد لعب دورًا مهمًا في تأمين الحماية للمستكشفين والمنصرين الأوروبيين، مما ساعده على توسيع نفوذه، خاصةً بفضل علاقاته الوطيدة بعدد من القبائل الإفريقية، وهو ما وثقه العديد من الرحالة الأوروبيين في مراسلاتهم.
ومن أبرز سمات “تيبو تيب” التي أضفت على شخصيته بعدًا أسطوريًا هي الكاريزما القيادية التي ظهرت مبكرًا في حياته. فعندما أراد والده إرساله في مهمة تجارية تحت إشراف تاجر خبير من ساحل مريما، رفض ذلك بإصرار، مفضلًا العودة إلى زنجبار على أن يكون تابعًا، وهو ما يكشف عن روحه الاستقلالية ونزعته القيادية.
مع مرور الوقت، ترسخ نفوذه في قلب إفريقيا، وبات يتحكم في مصائر سلاطين وزعماء محليين، إما بالعزل أو بالتثبيت، بغرض توطيد التجارة. وتظهر مغامرته بشكل جليّ في مواجهته مع الزعيم الزنجي المعروف بـ”السامو”، الذي اشتهر بالغدر وقتل العديد من التجار العرب. ورغم تحذيرات من مقربين، أصر “تيبو تيب” على مواجهته، ودخل معه في صراع دموي انتهى بالقضاء على السامو، مما عزز مكانته لدى القبائل الإفريقية التي منحته ألقابًا مثل “كينجوجوا” (الضبع الأرقش)، و”تيبو تيب” (محاكاة صوت إطلاق البندقية)، و”مكانجوانزارا” (الذي لا يخاف أحدًا).
أُصيب المرجبي في أواخر حياته بمرض الاستسقاء، ثم شُفي منه، إلا أن أمنيتين بقيتا مؤجلتين: زيارة أوروبا، وأداء فريضة الحج. وقد توفي في زنجبار في 13 يونيو 1905م، متأثرًا بمرض الملاريا.
المصدر: كتاب “مغامر عماني في أدغال إفريقيا”.. ترجمة: د: محمد المحروقي