خاص ـ شؤون عُمانية
تواجه المنظومة التعليمية في سلطنة عُمان مجموعة من التحديات المتزايدة مع تسارع التحولات العالمية في ميادين المعرفة والتقنية وسوق العمل. وبينما تسعى السلطنة لبناء جيل مؤهل للإسهام في المسيرة التنموية، تبرز الحاجة لإعادة تقييم السياسات التعليمية، وتطوير المناهج، وتعزيز الكفاءات الوطنية، لضمان مواءمة أفضل بين مخرجات التعليم واحتياجات السوق.
الفجوة مع سوق العمل وضعف البحث العلمي
يؤكد سعادة جمال بن أحمد العبري، رئيس لجنة التعليم والبحث العلمي والابتكار بمجلس الشورى، أن أبرز التحديات تكمن في ضعف المواءمة بين مخرجات التعليم وسوق العمل، مما يؤدي إلى تخريج تخصصات غير مطلوبة، وغياب أخرى يحتاجها السوق. كما يشير إلى النقص في أعداد المعلمين والمحاضرين ببعض التخصصات، وضعف البنية الأساسية والمختبرات والوسائل التعليمية، وصعوبة توفير الأجهزة وصيانتها، إلى جانب القصور في دعم البحث العلمي والابتكار رغم الجهود المبذولة.
ويشدد العبري على أهمية التحول الرقمي في تطوير التعليم، مشيرًا إلى إتاحة منصات إلكترونية مثل «منظرة» و«كلاس روم» التي تعزز من مهارات المعلمين والطلبة الرقمية، وتحسن من التفاعل بين المعلم والطالب عبر أدوات التعليم التفاعلي والمقررات الرقمية. كما يدعو إلى تعزيز التعليم الفني والمهني، وتحديث المناهج بالشراكة مع القطاع الخاص، وتوفير التدريب الميداني والتوجيه المهني المبكر، مع التركيز على ريادة الأعمال والمهارات الحديثة.
ضعف التأهيل المبكر وتحديات المراحل الدراسية
ويرى أحمد بن سالم العلوي أن المنظومة التعليمية في السلطنة رغم تطورها الواضح، تواجه تحديات حقيقية خصوصًا في التعليم ما قبل المدرسي، حيث تعاني بعض رياض الأطفال من ضعف تأهيل المعلمات. كما ينتقد أسلوب التلقين في المرحلة الابتدائية وتحميل الأسر عبء الواجبات والمشاريع بدلاً من المدرسة، داعيًا إلى ترسيخ منهج الفهم بدلاً من الحفظ.
أما في المرحلة الثانوية وما بعدها، فيرى العلوي أن التركيز لا يزال منصبًا على الكم لا الكيف، في ظل نظام تعليمي يعتمد على الحفظ لا الفهم، مشددًا على أهمية تقديم مناهج مرنة تواكب المتغيرات، وتفعيل دور الإشراف التربوي ليكون داعمًا للمعلم لا مفتشًا مفاجئًا.
المناهج المكثفة وعدم مراعاة الفروقات الفردية
وتشير تميمة السيابية إلى أن كثافة المناهج وعدم مراعاتها للفروقات الفردية بين الطلبة تشكل أحد أبرز التحديات، إلى جانب طول ساعات الدوام، وكثرة الواجبات والأنشطة، فضلاً عن معاناة المناطق البعيدة من نقص المدارس والكوادر التعليمية.
وتلفت السيابية إلى الخلل في التوازن بين المخرجات وسوق العمل، حيث يضطر بعض الخريجين للعمل في مجالات لا تتوافق مع تخصصاتهم. كما تبرز مشكلة ضعف اللغة لدى بعض خريجي الجامعات رغم معدلاتهم المرتفعة، وتدعو إلى دعم مادي أكبر للطلبة الجامعيين في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة.
وفي ما يخص تنافسية الجامعات العُمانية إقليميًا وعالميًا، تؤكد السيابية أهمية تطوير البرامج الأكاديمية، وتعزيز الشراكات الدولية، وتطبيق معايير الاعتماد الأكاديمي، مع رقابة مستمرة على جودة التعليم.
التحول الرقمي.. إنجازات وطموحات
ترى السيابية أن التحول الرقمي ساهم بشكل ملموس في تطوير التعليم من خلال منصات التعليم عن بُعد مثل “منظرة” و”جوجل كلاس روم”، داعية إلى تفعيل نظام التعليم المزدوج عبر شراكة حقيقية بين المؤسسات الرسمية والقطاع الخاص في إعداد المناهج وبرامج التدريب.
غياب المهارات العملية والصدمة بعد التخرج
من جانبه، يصف مروان بن سعيد البادي تجربته الشخصية، مؤكدًا أن الفجوة بين الدراسة وسوق العمل لا تزال واسعة. فمعظم التخصصات تركز على الجوانب النظرية والحفظ، بينما السوق بحاجة لمهارات تطبيقية حديثة. ويرى أن هذا الوضع يخلق حالة من الإحباط لدى الخريجين الذين لا يجدون وظائف متوافقة مع تخصصاتهم، مما يدفع البعض للعمل في مجالات بعيدة أو الانتظار طويلًا بحثًا عن فرصة.
ويشيد البادي بالدور الإيجابي للتحول الرقمي خاصة بعد جائحة كورونا، حيث أسهم التعليم الإلكتروني في تعزيز المرونة والوصول للمحتوى حتى في المناطق البعيدة، لكنه يؤكد الحاجة لمزيد من التطوير في البنية التحتية والتدريب العملي ودمج المهارات الرقمية والمهنية منذ المراحل المبكرة، مع تعزيز التعاون مع الشركات في تصميم التخصصات.
التعليم المهني بحاجة لجاذبية أكبر
أما شهد اليعقوبية، فتلخص التحديات في غلبة التلقين النظري على المناهج وغياب التهيئة العملية الكافية، إضافة إلى ضعف المهارات العملية لدى الخريجين وقلة الاستثمار في التدريب المهني، حيث لا يزال التعليم الفني غير جاذب للشباب رغم أهميته.
وتلفت إلى التفاوت في جاهزية المدارس والكليات في المناطق البعيدة من حيث خدمات الإنترنت والتقنيات الحديثة، وانتقادها لنظام التقييم التقليدي الذي يعتمد على الامتحانات الكتابية دون تحفيز الإبداع والتفكير النقدي.
وتؤكد اليعقوبية الحاجة لتطوير قدرات المعلمين وتفاعلهم مع مستجدات التعليم الرقمي، مشيدة بدور منصات التعليم الإلكتروني في تيسير التعلم والوصول إلى المحتوى التفاعلي، مع ضرورة تحديث المناهج بشكل مستمر ومواءمتها مع المهارات المطلوبة في الاقتصاد الرقمي، وتشجيع ريادة الأعمال والابتكار.