أحمد بن ناصر الراشدي
في بداية المقال أريد أن أطرح سؤالا: هل العمل عن بعد فكرة صائبة وناجحة؟ خاصة بعدما تمت تجربتها خلال جائحة كورونا؟.
نظرية الموجة الثالثة لألفين توفلر وهي إحدى نظريات علم الاجتماع المعاصر، أثبتت نجاعة وفاعلية العمل عن بعد، ليس فقط في محيط العمل والإنتاج، بل تخطت ذلك إلى التأثير الإيجابي على الأسرة أيضا، وذلك فيما يتعلق بالتنشئة الاجتماعية للأسرة.
لقد أثبتت هذه النظرية تأثير الموجة الثالثة الإيجابي على ترابط الأسرة وتماسكها وكذلك قدرة المجتمع على الحفاظ على التواصل المجتمعي الفعّال بين الأفراد.
الأمر مشابه جداً في مجتمعنا وثقافته، حيث إن الموظف بالقطاع الحكومي عموماً والقطاع الخاص على وجه الخصوص، يقضي ساعات طويلة جداً في أروقة العمل المكتبي أو في محطات العمل الميداني، وبعدها يعود إلى المنزل منهكا ليست لديه قدرة على التفاعل الاجتماعي مع أسرته أو الأصدقاء أو المحيطين بدائرته الاجتماعية.
ويتسبب هذا النظام في التقصير فيما يتعلق بالواجبات الاجتماعية الملقاة على عاتق الأب أو حتى الأم العاملة فيما يتعلق بالتنشئة الاجتماعية لأبنائهم، ولذلك نرى تأثر الأبناء بما يبث في التكنولوجيا من ثقافات قد تكون غير مناسبة لمجتمعنا الشرقي، وهذا ما حذر منه جلالة السلطان -أيده الله- في أحد خطاباته وأشار إلى أن التربية الصالحة السليمة مردها الأسرة والمنزل وليست مواقع التواصل الاجتماعي.
ومن أبرز المشاكل الاجتماعية التي تعاني منها الأسر هو الإدمان الإلكتروني، أي أن الطفل وبسبب عدم وجود الأبوين بشكل مستمر في المنزل يشعر بفراغ وقتي وعاطفي كبير، وعليه يجد نفسه أمام إدمان التكنولوجيا (الهواتف والأجهزة اللوحية الأخرى) وهذا السلوك له الكثير من السلبيات أشدها الانتحار.
بالتأكيد أن أحد أسباب انشغال الأطفال بالتكنولوجيا بكافة صورها هو غياب الآباء عن المنزل لفترة طويلة وانعدام مبدأ التواصل الاجتماعي المباشر بينهم، ولذلك أوضحت نظرية توفلر بأن العمل المنزلي المؤقت (عن بعد) سيكسب المجتمع منافع عدة سواء اجتماعية أو اقتصادية أو حتى ثقافية.
فهذا النظام من العمل سيكسب الفرد حيوية وقوة، لأن سيستطيع بعد العمل غير الشاق الاجتماع بأصدقائه وأقاربه بنشاط فعال وتواصل مجتمعي مميز، كما أنه سيكون متواجد بين أفراد أسرته، إلا أنه سيقضي عدة ساعات في غرفة بمفرده على جهاز الكمبيوتر لأداء واجبه الوظيفي عن بعد.
لذلك اجد من وجهة نظري تطبيق الدوام الجزئي (عن بعد) ولو لأيام معدودة في الأسبوع، وذلك سيكون عامل مساعد على ترابط الأسرة، ناهيك عن سرعة إنجاز العمل وخفض التكلفة التشغيلية للمكاتب في المقار الوظيفية.
وأقرب مثال على ذلك هو الاجتماعات التي حدثت عن بعد، وفرت على الدول والأفراد العديد من المصاريف التشغيلية كتذاكر السفر ومصاريف الإقامة واستئجار القاعات، لذلك أرى أنه من المهم التفكير جدياً باستخدام هذا النظام ولو بشكل جزئي.
نحتاج إلى جرأة في تطبيقه بشكل رسمي ومحوكم للوظائف التي تتناسب مع هذا النظام.
