محمود بن سعيد العوفي – كاتب صحفي اقتصادي
فوجئتُ مؤخرًا بموقف بسيط، لكنه يعكس واقعًا أكثر تعقيدًا في سوق قطع غيار السيارات، مشكلة فنية عابرة في سيارتي الأمريكية، موديل 2014، تطلّبت استبدال قطعة صغيرة خاصة بتبخير زيت المحرك، وعند سؤالي أحد المحلات المتخصصة في “صناعية المعبيلة”، قيل لي إن سعر القطعة الأصلية يبلغ 8 ريالات و900 بيسة.
بدافع التأكد، توجهتُ إلى الوكالة، فكانت المفاجأة أن السعر لديهم لا يتجاوز 6 ريالات و500 بيسة، نفس القطعة بفارق يتجاوز ريالين ونصفًا.
هذه ليست حالة استثنائية، بل تكررت أيضًا عندما احتاج ابني إلى قفل لصندوق سيارته النيسان، في سوق قطع الغيار المستعملة، عرض العامل الآسيوي القفل بـ15 ريالًا عمانيًا، فيما لم يتعدَّ سعره في الوكالة 5 ريالات، فأين الرقابة؟ ومن يضبط هذه الأسعار التي تتأرجح بلا منطق؟
ما يجري في هذا السوق يعكس غيابًا واضحًا لآليات الرقابة والمساءلة، كثير من أصحاب محلات بيع قطع الغيار يحددون الأسعار وفق أهوائهم، دون معايير واضحة أو تسعيرات رسمية، ويزداد الوضع تعقيدًا عندما تكون بعض القطع “مستعملة”، إذ لا توجد جهة تحدد قيمتها العادلة أو تضمن جودتها، ما يجعل المستهلك ضحيةً لجشع البعض.
ويزداد الأمر سوءًا عندما نعلم أن هذا القطاع الحيوي تتحكم فيه – بشكل كبير – أيدٍ غير عُمانية، إذ تلعب العمالة الوافدة دورًا رئيسيًا في إدارته وتشغيله، وغالبًا ما تكون هي من تحدد الأسعار وتدير التفاوض مع الزبائن، بما لا يتماشى مع مصالح المستهلك ولا مع المعايير الاقتصادية السليمة.
وقد تكون هناك بعض الورش والمحلات أصحابها عُمانيون، لكن التنفيذ الفعلي والتعامل اليومي في أيدٍ غير عُمانية، ما أدى إلى استنزاف موارد هذا القطاع وخلق بيئة خصبة للفوضى في ظل غياب الرقابة الرصينة.
المشكلة لا تتعلق بالمال فقط، بل تمتد لتخلق حالة من انعدام الثقة بين المستهلك والمورّد، وتُدخل المواطن في دوامة من الحيرة والشك، خاصةً أن الفارق في الأسعار قد يصل أحيانًا إلى أكثر من ضعف القيمة الحقيقية للقطعة، كما في الحالات التي رصدناها.
من حق المواطن أن يحصل على قطعة أصلية، بسعر عادل، وبخدمة تحترم كرامته وعقله، وهنا يبرز الدور المنتظر من الجهات المعنية، وعلى رأسها هيئة حماية المستهلك، التي نطالبها بإطلاق منصة إلكترونية موحدة تُلزم المحلات بالإفصاح عن أسعار القطع وتحديثها دوريًا، تمامًا كما هو معمول به في العديد من الدول المتقدمة، إلى جانب إصدار دليل تسعيري مرجعي يشمل أسعار القطع الجديدة والمستعملة، لتوحيد السوق وتقليل فرص التلاعب، مع تكثيف الحملات الرقابية والتفتيشية، وفرض عقوبات رادعة على المخالفين.
ختامًا، إن ما نشهده اليوم من فوضى في سوق قطع الغيار يجعلنا أمام سوق مريض لا يستقيم إلا بعلاج جذري، نحن لا نطالب بالمستحيل، بل بالحق البديهي في العدالة السعرية، وعلى الجهات المعنية تشديد الرقابة على هذا السوق، وتنظيمه بما يضمن حماية المستهلك من مغبّة الاستغلال.