المحامي/ أحمد بن حسن بن إبراهيم البحراني
عند الوقوف أمام قانون المحاماة الجديد رقم ٤١ / ٢٠٢٤ ولائحته التنفيذية الصادرة بموجب القرار الوزاري رقم ٦٦ / ٢٠٢٥، لا يسع المشتغل في هذه المهنة، المراقب لتحولاتها، إلا أن يتعامل مع هذا النص الجديد بروح من التأمل والتساؤل، لا من باب المعارضة أو التهليل، وإنما من باب المسؤولية تجاه مهنة شاء القدر أن نكون من أهلها، وأن نحمل عبء همّها في زمن لم يعد فيه للمحامي من سند سوى وعيه واستقامته.
لقد أتى القانون الجديد بعد طول انتظار، محاولًا أن يُعيد ترتيب البيت القانوني من الداخل، مستجيبًا – ولو جزئيًا – لما عانته المهنة من ترهل وفوضى وتداخل بين المحاماة كممارسة، والاستشارات القانونية كمنتج فكري مستقل. جاء ليقنن الطريق ويضبط المداخل ويمنح المهنة ما تستحق من كرامة، لكنه في الوقت ذاته، لم يخلُ من التحديات التي تفرض علينا قراءة متأنية لا تزهو بالنص ولا تخشى من نقده.
اللائحة التنفيذية، رغم حجمها الكبير وتشعب موادها، جاءت كمحاولة لضبط التفاصيل التي لطالما كانت عائقًا في التطبيق. هي لائحة متخمة بالإجراءات، دقيقة في التوصيف، صارمة أحيانًا، وقد تكون ضاغطة أحيانًا أخرى على المحامين لا سيما أصحاب المكاتب الصغيرة، أو المتفرغين للتقاضي ممن لا يجدون في هذا القانون وملاحقه ما يضمن لهم الحماية الاقتصادية الكافية، أو الدعم المؤسسي المستحق. ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن روح التنظيم واضحة. هناك محاولة حقيقية لإعادة المحاماة إلى سياقها الطبيعي، كمهنة حرة لكنها منضبطة، وكأداة من أدوات العدالة لا سوق مفتوح لكل من حمل شهادة قانون. ومن هنا تأتي أهمية التصنيف المهني، وآلية التدرج، والفصل الواضح بين من يُمارس ومن لا يُمارس، وبين من يستحق الترقية ومن لا يزال في أول الطريق.
لكن هل القانون واللائحة، كما هما الآن، كافيان؟ لا. وهل يعبّران عن طموح المحامين العمانيين؟ ليس تمامًا. إن ما بين السطور كثير، والتحدي في التطبيق لا يقل عن التحدي في النص. والرهان الحقيقي هو في قدرة المؤسسة التنفيذية – ممثلة في الوزارة واللجان المعنية – على أن تُدير هذا النص بروح العدل لا الحرف، وبفهم لحاجات السوق لا بعقلية الدفتر والسجل فقط.
اللائحة التنفيذية لم تأتِ مجردة من الرؤية، بل كُتبت بروح تشريعية تعكس أهداف القانون، فأبرز ما يميزها أنها وضعت معايير دقيقة للإجراءات المهنية، وتعاملت مع المحامي بوصفه عنصرًا في سوق منظّم لا مهنيًا مستقلًا فحسب، وحافظت على فلسفة القانون في التمييز بين المحامي والمستشار، وبين المكتب الوطني والأجنبي.
وقد تميزت بتفصيل إجراءات القيد، وتحديد المستندات والمؤهلات اللازمة، وآلية التعامل مع الطلبات، إلى جانب تأطير برنامج التدريب للمحامين المتدربين الذي رُبط بمكافأة شهرية لا تقل عن ٣٢٥ ريالًا عمانيًا، وهو ما يمثل نقلة واضحة في الاعتراف بحقوق المتدرب. كما نظّمت مسألة الحضور أمام الجهات القضائية من خلال اشتراط البطاقة القانونية والرداء الرسمي، وألزمت المكاتب بضوابط واضحة للإعلان، وجرّمت الظهور غير المهني في وسائل التواصل الاجتماعي.
أما في الشأن المرتبط بغير العمانيين، فقد أكدت اللائحة على منع الترافع عليهم، وألزمت المكاتب الأجنبية بتوفيق أوضاعها ضمن ضوابط دقيقة تضمن الشراكة العادلة دون الإخلال بسيادة المهنة. ولم تغفل اللائحة كذلك الجانب التأديبي، حيث أرست آلية شفافة للتحقيق والمساءلة، وأقرت عقوبات تصاعدية مرتبطة بإخلال المحامي بواجباته، مع ضمانات إجرائية تحفظ له حق الرد والدفاع.
رغم الإيجابيات التي لا يمكن إنكارها، إلا أن بعض التحفظات المهنية لا تزال قائمة، أهمها ما يُنظر إليه كمشقة زائدة على المحامي الفرد، كطول مدة التدريب وتعدد الاختبارات، لكن يمكن تفسيرها – في إطار تنظيمي عام – باعتبارها استثمارًا في الجودة، ومقدمة لبناء مهنة ذات موثوقية عالية. وفي هذا السياق، يجب أن تترافق هذه المعايير مع دعم ملموس للمكاتب الوطنية، لا سيما الصغيرة منها، سواء من حيث التسهيلات الإدارية أو برامج الدعم والتدريب أو التوازن في التعاقدات الحكومية.
إن قراءتي هذه لا تدّعي الكمال، ولا تزعم الإحاطة بكل الجوانب، فهي مجرد استقراء ناقص كما أسلفت، لكنها تمثل صوتًا من داخل المهنة، صوتًا يحاول أن يكون موضوعيًا قدر الإمكان، محبًا لهذه المهنة، وغيورًا على مستقبلها، ومؤمنًا بأن النقد أحيانًا هو أعلى درجات الوفاء.
علّنا نُفلح ذات يوم أن نكتب بأيدينا ما نريده نحن، لا ما يُكتب لنا.