المحامي أحمد بن حسن البحراني
يمثل قانون المحاماة العماني الجديد رقم 41/2024 تحولا نوعيا في تنظيم المهنة، ليس فقط من حيث شروط القيد والتدرج، وإنما في ضبط المفاهيم التي شكّلت لسنوات مصدر تباين وغموض، وفي مقدمتها “الأعمال النظيرة”. وقد جاءت المادة (12) من القانون لتعالج هذا المفهوم بدقة غير مسبوقة، لتُعيد تعريف من يحق له التقدم للقيد كمحامٍ، بناءً على طبيعة خبرته السابقة، وليس مجرد صفته الوظيفية أو الأكاديمية.
المشرع العماني حصَر الأعمال النظيرة في ثلاث فئات لا غير. الأولى هي الوظائف القضائية والادعاء العام، والوظائف الفنية بوزارة العدل، وأساتذة القانون في المؤسسات الأكاديمية. وهذه فئات تمارس القانون بتفسيره وتطبيقه وتعليمه بشكل يومي. الثانية هي الموظفون العموميون الذين يرافعون فعليًا أمام المحاكم، شريطة أن يكونوا مقيدين في سجل رسمي لدى الوزارة، وأن يثبتوا ممارستهم الفعلية كتابةً. أما الفئة الثالثة فهي شاغلو الوظائف القانونية في الجهات العامة أو الشركات، بشرط اجتيازهم لاختبار مهني خاص تقرره اللجنة المختصة. كما نص القانون على منع الجمع بين مدة ممارسة المحاماة ومدة ممارسة هذه الأعمال عند القيد، وهو ما يعكس إصرار المشرّع على أن تكون المحاماة مهنة مكتسبة بالتدرج لا بالتوريث الوظيفي.
عند مقارنة هذا التنظيم بما ورد في القانون الاتحادي الإماراتي رقم 34 لسنة 2022، يبرز الفارق بوضوح. فالقانون الإماراتي لم يفرد مادة مستقلة لتعريف الأعمال النظيرة، بل سمح ضمنًا باحتساب الخبرة القانونية في الجهات الرسمية والخاصة ضمن شروط القيد، دون اشتراط إثبات المرافعة الفعلية أو اجتياز اختبار تأهيلي. كما أتاح، وفق المادة (8)، لبعض العاملين في المؤسسات الخاصة تمثيلها أمام الجهات القضائية بشروط وظيفية وأكاديمية، ما دامت تلك المؤسسات قد منحتهم توكيلًا قانونيًا، حتى لو لم يكونوا محامين ممارسين.
الفرق الجوهري بين القانونين يكمن في الفلسفة التي تقف خلف النص. القانون العماني أراد أن يعالج تجربة سابقة أرهقت المهنة، حين تسلل إليها من لم يمارسها فعليا، بل استند فقط إلى توصيف وظيفي أو شهادة جامعية. فجاء التشريع الجديد ليعيد الاعتبار للممارسة الفعلية، ويمنع تحويل المحاماة إلى مجرد امتداد لوظائف حكومية أو إدارية، وليؤكد أن الكفاءة المهنية لا تُفترض، بل تُبرهن. أما القانون الإماراتي، فرغم صرامته في تنظيم الترافع، فإنه يفتح نوافذ أوسع لاستيعاب ذوي الخبرة الأكاديمية أو الوظيفية، بما يعكس توجها أكثر مرونة وربما أكثر براغماتية في استيعاب الكفاءات.
في النهاية، يُحسب للقانون العماني أنه تميز في هذه النقطة تحديدًا، لأنه لم يكتفِ بإغلاق الأبواب الخلفية، بل أعاد صياغة المفهوم من جذوره، وقرر أن من يدخل هذه المهنة لا بد أن يكون قد وقف في محرابها فعليًا، لا أن يكون قد مرّ من جوارها