فايزه محمد
تتجه أنظار العالم اليوم السبت إلى مسقط، إلى عاصمة السلام، حيث تعقد المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة حول الملف النووي الإيراني، هذا الملف المعقد الذي ما إن وصل إلى درجة الغليان لجأ الجميع إلى سلطنة عمان التي تجمع الفرقاء، من أجل إيجاد حل للقضية ومنع وقوع انفجار بالمنطقة.
الولايات المتحدة لا تريد أن تمتلك إيران سلاحا نوويا لأنه -وفق زعمها- يهدد السلام والاستقرار في المنطقة والعالم، وطبعا المقصود بالسلام والاستقرار هنا ليس العالم، فلا توجد دولة في العصر الحديث هددت السلام والاستقرار في العالم مثل الولايات المتحدة، ولا توجد دولة تمارس البلطجة السياسية والعسكرية والاقتصادية في العالم مثل هذه الدولة التي تعتبر نفسها الوصية على العالم، فهي التي تحدد -حسب تصنيفاتها الخاصة- الدول الخيّرة والأخرى الشريرة، وهذا التصنيف يعتمد بالدرجة الأولى على مصالحها ومصالح “إسرائيل” التي تمارس -برعاية أمريكية- أسوأ أنواع الإبادة البشرية في العصر الحديث ضد الشعب الفلسطيني الصامد في غزة والضفة الغربية.
وبالعودة إلى المفاوضات النووية التي تنطلق اليوم السبت، تزامنا مع حشود عسكرية أمريكية هائلة في المنطقة واستعدادات قصوى للقوات العسكرية الإيرانية، فإن نجاحها هي مصلحة أمريكية وإيرانية وفي صالح المنطقة أيضا، وهناك تفاؤل -وإن كان حذرا- باستضافة مسقط لهذه المفاوضات مما يؤكد جديتها لدى الطرفين، فالإيرانيون لديهم ثقة كبيرة في السلطنة وقيادتها، وهذه الثقة لم تأت بين يوم وليلة وإنما عبر تاريخ طويل من العلاقات بين البلدين، وهذا ما أكده المحلل السياسي الإيراني محمد صالح صدقيان في حوار مع صحيفة “شؤون عمانية” نشر اليوم عندما قال: “الإيرانيون يؤمنون بحكمة وحنكة القيادة السياسية في سلطنة عمان، كما كانوا يؤمنون بحنكة وسياسة السلطان الراحل قابوس بن سعيد، والآن هم يؤمنون أيضا بأن القيادة السياسية في سلطنة عمان وسلطان عمان هيثم بن طارق يمتلك هذه الحنكة وهذه السياسة والمثابرة والانخراط في إنجاح أو تسهيل مهمة المفاوضين من الجانب الإيراني ومن الجانب الأمريكي أيضا”.
وعلى الطرف الآخر، نجد أن الولايات المتحدة لديها ثقة في السلطنة وقيادتها، وهي دائما تتجه إلى السلطنة من أجل التوسط لإطلاق سراح سجناء في طهران أو اليمن أو أي مكان آخر في العالم، ولولا ثقتها في السلطنة لما وافقت على الرغبة الإيرانية في اختيار مسقط مكانا للمفاوضات.
وهذه ليست المرة الأولى التي تستضيف فيها مسقط المفاوضات النووية بين الولايات المتحدة وإيران، فقد سبق لها أن استضافت مفاوضات في عامي 2012 و2013 والتي كانت تضم أيضا إلى جانب الولايات المتحدة روسيا وبريطانيا وفرنسا والصين وألمانيا، والتي أدت في النهاية إلى التوقيع على الاتفاق النووي عام 2015 والذي انسحب منه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال فترة رئاسته الأولى سنة 2018.
إن العالم يأمل أن تنتهي المفاوضات التي تبدأ اليوم بتوصل الولايات المتحدة وإيران إلى اتفاق جديد ينهي عقودا من التوتر في المنطقة ويجنب المنطقة حربا من الصعب التنبؤ بنهايتها.