رصد- شؤون عُمانية
أثار إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن نية بلاده إجراء محادثات مباشرة مع إيران، للمرة الأولى منذ سنوات، تفاعلاً واسعًا على منصة “إكس”، لا سيما بعد تأكيد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أن المحادثات ستُعقد في سلطنة عُمان يوم السبت 12 أبريل 2025، بين وفدين من الولايات المتحدة وإيران.
وقال عراقجي عبر “إكس”: إن هذه المفاوضات تُعد “فرصة واختبارًا في آنٍ واحد”، مؤكدًا أن “الكرة الآن في ملعب واشنطن”. ومن المقرر أن يقود عراقجي المحادثات من الجانب الإيراني، بينما يمثل الجانب الأمريكي المبعوث ستيفن ويتكوف.
وبحسب متابعين، فإن هذه المحادثات تمثل نقلة مهمة في العلاقات المتوترة بين البلدين، حيث كانت آخر مفاوضات مباشرة معروفة بينهما قد جرت في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، وأسفرت عن الاتفاق النووي في 2015، وهو الاتفاق الذي انسحب منه ترامب لاحقًا. أما خلال فترة الرئيس جو بايدن، فقد اقتصرت الاتصالات بين واشنطن وطهران على محادثات غير مباشرة لم تحرز تقدمًا ملموسًا.
وسيط سلام يحظى بالثقة الدولية
وقد لاقى الخبر تفاعلاً كبيرًا من مستخدمي منصة “إكس”، الذين عبّروا عن فخرهم بكون سلطنة عُمان هي الدولة التي اختيرت مجددًا لاستضافة هذا الحدث البالغ الأهمية، في تأكيد جديد على مكانتها كوسيط موثوق وصاحب نهج سلمي محايد في مختلف القضايا الإقليمية والدولية. ويرى المغرّدون أن اختيار مسقط يعكس احترام وتقدير المجتمع الدولي للدبلوماسية العُمانية التي باتت قِبلة للمتحاورين والخصوم في سبيل إيجاد الحلول.
وأكد الدكتور محمد بن خلفان العاصمي، عضو سابق في مجلس الشورى، أن “المفاوضات بين أمريكا وإيران على أرض سلطنة عمان تُعد ضربة موجعة لمن يحاول نشر الافتراءات حول سياسة الحياد العُمانية”، مشيرًا إلى أنها “دليل على ثقة المجتمع الدولي والأطراف المختلفة بدولة السلام والحياد، بفضل العمق الاستراتيجي الجيوسياسي للسلطنة والحنكة الدبلوماسية وخبرة تسهيل التفاوض”.
وفي السياق ذاته، قال الدكتور حيدر اللواتي، بروفيسور أكاديمي: “أنظار العالم تتجه نحو مسقط وهي تحتضن المفاوضات النووية بين إيران وأمريكا من جديد، وتسعى بكل حكمتها وحنكتها وثقلها الدبلوماسي والسياسي لتجنب شعوب المنطقة بل وشعوب العالم حربًا طاحنة مدمرة”.
مواقف ثابتة تُغني عن التسويق
من جانبه، غرّد مصطفى الشاعر قائلاً: “لا نحتاج إلى أن ندفع المليارات لإنفاقها على تسويق صورتنا في العالم ومع الدول والحكومات؛ تكفينا مواقفنا ومبادئنا الثابتة التي تجعلنا قبلةً للقاء الخصوم العالميين. نعم، نحن في سلطنة عُمان نؤمن بمبادئنا الراسخة منذ قرون، ولن نحيد عن دعوتنا الصادقة إلى معالجة كل الخلافات في العالم عبر الحوار”. وأضاف: “بعون الله، تتكلل المحادثات الإيرانية–الأمريكية في مسقط بالنجاح، بما يحفظ مصلحة الأمة والمنطقة، ويجنبها ويلات الحروب والفتن”.
أما عبدالله العدوي، فقد شدد على أهمية إدراك المواطنين لقيمة هذا الدور، قائلاً: “تثبت سلطنة عُمان مجددًا مكانتها الراسخة كمنارة للسلام العالمي باستضافتها للمفاوضات غير المباشرة المرتقبة بين الولايات المتحدة وإيران في 12 أبريل الجاري”.
واعتبر العدوي أن هذا الدور هو “ثمرة لنهج حكيم وسياسة متزنة جعلت من عُمان وسيطًا موثوقًا على الساحة الدولية”. كما دعا إلى المحافظة على هذا الإرث الوطني بعدم استغلال القضايا الداخلية كذريعة للمساس بصورة الوطن أو أمنه.
الوساطة.. نهج عُماني راسخ
سعود الفارسي رأى في هذا التطور استمرارًا للدور العُماني التاريخي، مشيرًا إلى أن “سلطنة عُمان تواصل تأكيد مكانتها كدولة محورية في حل النزاعات الإقليمية والدولية، من خلال دورها البنّاء والموثوق في الوساطة بين أمريكا وإيران”. وأكد أن “السلطنة أثبتت مرارًا قدرتها على بناء جسور الثقة بين الخصوم، مستفيدة من سياستها الخارجية المتوازنة، وعلاقاتها الجيدة مع جميع الأطراف”. معتبراً أن هذا الدور هو “استحقاق طبيعي لنهجها الحكيم والناجح في الدبلوماسية”.
فرصة دبلوماسية متعددة الأبعاد
وفي منظور استراتيجي شامل، رأت الدكتورة السهاد البوسعيدية، المتخصصة في التخطيط الاستراتيجي، أن الحدث الدبلوماسي لا ينبغي أن يُنظر إليه فقط من الزاوية السياسية، بل يجب استثماره لتعزيز الجوانب الأخرى، حيث قالت: “مثل ما قلت، السياسة ما تعرف ثوابت ثابتة، لكن هذي الفرص ما تجي كل يوم مثلها”. وأشارت إلى ضرورة إبراز الجوانب الثقافية والاقتصادية لمسقط بالتوازي مع الحدث السياسي، معتبرة أن ذلك قد يسهم في تعزيز مكانة العاصمة كوجهة عالمية للحوار والسلام.
تُعيد مسقط اليوم كتابة فصل جديد من فصول الوساطة الدولية الهادئة، واضعة نفسها مجددًا في قلب المشهد الدبلوماسي العالمي، ليس فقط من خلال استضافة الحوار، بل من خلال تمثيلها لقيم السلام والاعتدال والثقة. وبينما يترقب العالم مخرجات المفاوضات المرتقبة، تبقى عُمان نموذجًا فريدًا في زمن تتسارع فيه وتيرة الصراعات وتتراجع فيه مساحات الحوار.