خاص ـ شؤون عُمانية
يؤكد عدد من الكتاب والمبدعين العمانيين أن عام 2023 شهد حراكا ثقافيا كبيرا من خلال تنظيم عدد من الأنشطة والفعاليات البارزة، واتخاذ عدد من القرارات والإجراءات لإثراء هذا المجال الذي يعزز من ثقافة المجتمع ويضع اسم سلطنة عمان على خارطة التنافس الإقليمي والدولي.
وترى الدكتورة وفاء بنت سالم الشامسية، أكاديمية وأديبة، أن مهرجان الدن المسرحي الذي أقيم تحت شعار «أهلاً بالعالم في سلطنة عمان» بمشاركة 24 عرضاً مسرحياً من سلطنة عمان وخارجها كان حدثًا ثقافيًا هامًا، وذلك لعدة أسباب ومنها تعزيز التبادل الثقافي؛ إذ يُعد المهرجان المسرحي مناسبة للفنانين والمسرحيين لعرض أعمالهم والتفاعل مع الجمهور، وهو تظاهرة ثقافية فنية تمكن من تعزيز التبادل الثقافي بين الثقافات المختلفة عبر العروض المسرحية من مختلف الأماكن والخلفيات، كما أنه يعزز التواصل الاجتماعي من خلال توفيره بيئة يتفاعل فيها الجمهور مع الفنانين تجعلهم يعبّرون عن آرائهم حول الأعمال المسرحية، والمواضيع الثقافية والاجتماعية المطروحة في العروض.
وتشير إلى أن المهرجان يساهم في تعزيز التنوع الثقافي، لأنه يعرض مجموعة واسعة من الأعمال التي تعكس تنوع الثقافات والتجارب الإنسانية، ويسهم في تعزيز الفهم والاحترام المتبادل بين الثقافات المختلفة، مبينة “أوجد المهرجان مساحة حقيقية للإبداع الثقافي من كونه منصة للفنانين للتعبير عن أفكارهم وإبداعهم، كما أن هذه المنصة تعتبر محفّزًا لتطوير وتقديم أعمال فنية جديدة ومبتكرة، ولا يخفى على أحد أهمية المهرجان وتأثيره اقتصاديًا، إذ أنه أسهم في تعزيز الحركة الثقافية والسياحية في المنطقة، وهذا يؤدي بدوره إلى تأثير اقتصادي إيجابي، وقد يكون هذا الحدث الثقافي هو الأهم، لكننا كمهتمين بالحراك الثقافي في الوقت الراهن فإن ما ينفذ على أرض الواقع، وما نعايشه من تلاقح فكري وفني وثقافي على أرض السلطنة يعتبر قاعدة مهمة ورصينة تحدد ملامح المشهد الثقافي في السنوات القادمة على المدى البعيد”.
ويقول الكاتب والباحث يونس بن جميل النعماني “الأحداث المهمة في العام الماضي كثيرة، ومن وجهة نظري أرى أن قرار إنشاء مبنى مجمع عُمان الثقافي بمرتفعات المطار في محافظة مسقط حدثًا بارزًا؛ إذ يمثل هذا الحدث إنجازًا حضاريًا وثقافيًا، ستنعكس آثاره إيجابًا على المشهد الثقافي في سلطنة عُمان، وهو حدث طال انتظاره كثيرًا، ولله الحمد تحقق، ونحن في سلطنة عُمان بحاجة إلى مكتبة وطنية ومراكز بحثية استراتيجية في المجالات السياسية والتاريخية والثقافية والاجتماعية؛ ذلك لأن الإنسان كائن معرفي حسب الدراسات الابستمولوجية، يتوق إلى المعرفة والسؤال، هذه المعرفة التي تؤثر بدورها في مجالات الحياة، وتؤدي إلى التنمية المستدامة، التي تسعى دول العالم إلى تحقيق اهدافها عام 2030”.
ويشير إلى أن “إنشاء مثل هذه المراكز والمنابر يعكس المنظومة الثقافية في الوطن الذي ينتظر منا الكثير لنرد -ولو جزء يسير- مما قدمه ويقدمه لنا، وتحقيقًا كذلك لرؤية عُمان 2040 التي تركز في أحد محاورها على ايجاد إنسان مبدع معتز بقيمه وتراثه”.
وفي السياق، يوضح الدكتور الكاتب ناصر الحسني: “توجد عدة أحداث ثقافية كلها مهمة في عام 2023 ولا نستطيع حصرها في حدث واحدة فقط؛ فمثلا مع مطلع عام 2023 كشفت الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء عن إصداراتها الجديدة البالغ عددها 49 إصدارا في مختلف الأنواع والأجناس الأدبية شعرا ونثرا؛ ولا شك أنه حدث مهم جدا في صناعة الثقافة الحقيقية الفاعلة في بلادنا الغالية عُمان، فإن ضخ مثل هذا العدد النوعي المحكم من الكتب والإصدارات تفعيل عظيم للثقافة، وحراك كبير للعمل الثقافي يصب في البناء المعرفي للمواطن العُماني والعربي والإنسانية بشكل عام؛ كذلك ما قامت به الجمعية العُمانية للكتَّاب والأدباء من حراك ثقافي عبر جائزة الإبداع الأدبي لطلبة المدارس والاحتفال بتكريم الفائزين في كل محافظات السلطنة لمدة أسبوعين متواصلين؛ وتتويج هذا الحراك بحفل ختامي لتكريم الفائزين على مستوى سلطنة عُمان لهو حدث ثقافي مهم جدا، لأن غرس المسابقات الثقافية في نفوس أبنائنا الطلبة في المدارس غرس مهم ينتج ثماره في الأجيال القادمة مستقبل عُمان الواعد إن شاء الله”.
ويتابع قائلا: “لا نغفل إعلان الفائزين بجائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب في دورتها العاشرة، فهو من الأحداث الثقافية المهمة، خاصة عندما تحمل هذه الجائزة اسم مؤسس عُمان الحديثة وباني نهضتها المباركة السلطان قابوس طيب الله ثراه؛ ومن أهم نتائجها على المستوى البعيد حصول الروائي الجزائري الدكتور واسيني الأعرج على هذه الجائزة في مجال الرواية ولا شك أن هذا الفوز له تأثير عظيم للثقافة العربية بل والعالمية على حدٍّ سواء،وقد جاء عام 2023 بمسك الختام لأهم الأحداث التي وقعت فيه، فقد وقّع صاحب السمو السيد ذي يزن بن هيثم آل سعيد وزير الثقافة والرياضة والشباب، على اتفاقية إنشاء مجمع عُمان الثقافي، ولا شك أن هذا الصرح الثقافي والحضاري المهم يسهم مستقبلا في نهضة العمل الثقافي بمختلف تجلياته سواء في الأدب أو المسرح أو الدراسات والبحوث والمعارف المختلفة بما يجعل من البرامج والأنشطة والفعاليات تنهض ويتم تفعيلها بشكل منظم وفاعل خدمة للإنسان في هذه الأرض الطيبة”.
وتعتبر الكاتبة والمهتمة بأدب الطفل فاطمة الزعابية أن أهم حدث ثقافي في الأجندة الثقافية لعام 2023م هو مهرجان صحار، الذي يتميز بكونه حدثًا ثقافيًا شاملًا، يضم مجموعة متنوعة من الفعاليات الفنية والثقافية، بما في ذلك المسرح والموسيقى والسينما والشعر والأدب والمعارض الفنية والموروث المادي والمعنوي، بالإضافة لعدد كبير من الفعاليات التي استهدفت الطفل والأسرة لتعزيز الهوية العمانية وحرصت على جذبهم بتوزيعها على مساحة كبيرة متاحة للزوار، مما شهدت تنوعا في البرامج التي خاطبت جميع فئات المجتمع مما جعلها أكثر جذبا للأسرة والشباب والشابات من جميع الجنسيات، موضحة: “أعتقد أن نتائج هذا المهرجان على المدى البعيد ستكون إيجابية، حيث سيساهم في تعزيز الثقافة العمانية وتعريف العالم بها، تشجيع الشباب العماني على المشاركة في الأنشطة الثقافية”.
ويقول المخرج السينمائي سليمان الخليلي أن أهم حدث ثقافي في عُمان خلال عام 2023 هو إنشاء مجمع عُمان الثقافي لأنه الحلم الذي طال انتظاره، مضيفا: “قرار إنشائه إنجاز كبير للمشهد الثقافي العُماني وأيضا مع مسيرة نهضة عُمان المتجددة التي نتطلع إلى أن يكون صرحا ثقافي مهما على خارطة الثقافة العمانية الأصيلة، وخاصة بأن عُمان بتاريخها الكبير وثقافتها الأصيلة افتقدت خلال السنوات الماضية إلى مكتبة وطنية والتي تعتبر شأنا ثقافيا مهما لأي بلد، وحتما مع وجود هذه الصرح الثقافي الشامخ فهو يجمع تحت سقفه كل أنواع الثقافة والفنون، وسيدعم الحركة الثقافية في سلطنة عُمان”.
ويكمل حديثه قائلا: “كوني مهتما بالشأن السينمائي، أطمح بأن يكون مجمع عُمان الثقافي داعما قويا لصناعة الأفلام العُمانية وبأن يكون مركز إبداع سينمائي نستطيع من خلاله إيجاد صناعة سينمائية قوية قادرة على المنافسة عالمياً، ونتمنى أن يسير هذا المشروع كما تم التخطيط له وأن يرى النور خلال السنوات القليلة القادمة”.
ويختتم المخرج المسرحي خليفة الحراصي حديثه في هذا السياق بقوله: “بالنسبة للعام المنصرم أرى أن خبر مشروع إنشاء مجمع عمان الثقافي الذي نتوقعه أن يلعب دوراً هاماً في تحسين الحياة الثقافية والفنية هو الأهم، حيث يتألف المجمع من ثلاثة مبانٍ رئيسية: المسرح الوطني والمكتبة الوطنية وهيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية. ويُتوقع أن يكون لهذا المشروع تأثير إيجابي على المدى البعيد، حيث يعزز التفاعل المجتمعي ويساهم في زيادة الوعي الثقافي، كما أنه بفضل المسرح الوطني، سيكون هناك منصة لتقديم العروض الفنية والثقافية، مما يعزز التبادل الثقافي ويعطي الفرصة للمواهب المحلية للتألق، وستسهم المكتبة الوطنية في تعزيز الثقافة بتوفير مصدر متميز للمعرفة والبحث، أما هيئة الوثائق والمحفوظات، فتلعب دوراً هاماً في الحفاظ على التراث الوطني، كما أنه من خلال توفير محتوى ثقافي وفني متنوع، سيسهم المجمع في إثراء حياة المجتمع وزيادة التواصل الثقافي، مما يجعله محطة مهمة للتعلم والترفيه للأجيال الحالية والمستقبلية”.