المحامي/ محمد المعمري
Mohd@legaljm.com
عملت أمل موظفة في محكمة الجنايات بالسيب لسنوات طويلة وكانت تدون بقلمها محاضر الجلسات ومنها قضايا جنايات القتل، دونت ملخصات وما أبدي من مرافعات كما وقعت على محاضر جنايات عديدة منها جرائم التهديد بالقتل ومنها الشروع في القتل ومنها جرائم القتل بمختلف الظروف والملابسات.
دونت أمل تفاصيل جناية قتل امرأة لزوجها بعدما تفنن الزوج في ايذائها جسديا وعاطفيا وعقليا، ولم يلتفت لشكواها أحد ( فقط إرجعي وأصبري عشان أولادك) ولا أحد يتبعها سوى الهم والعذابات المتجددة، وبينما هي تتعرض للاعتداء من زوجها لاحت لمعة السكين كفكرة للخلاص من حياة كرهتها والإخلاص لحياة حلمت بها فوجدت في السكين وسيلة لقطع الأسلاك الشائكة، لتنهال على زوجها بالطعنات تعددت وتعدت الألم والمعاناة.. دونت أمل قصة تلك المرأة وقلبها يعتصر ثم أغلقت المحضر الأخير.. ورغم كل محاضر الجنايات الموقعة من أمل لم تشعر للحظة بسرد نهاية حياتها على أحد تلك الملفات!
بدأت أمل معاناتها مع الزوج بالإهمال وكثرة الشكوك، شرحت، بررت، وضحت ولكن أسئلة الشك في العلاقات الزوجية لا تبحث عن جواب بقدر البحث عن جواب يريده السائل أو الاستمرار في طرح الأسئلة ذاتها بأساليب متعددة !
كانت السنة الثامنة عشرة من الزواج مرهقة جدا، حيث كانت تشبه أوراقا خفيفة مرتجفة على غصنها، وانتهت بسقوط آخر ورقة نحو اليأس وبداية رحلة النهاية؛ فقد اعتبرت أمل تلك الفترة بداية لمحاولة النجاة من حياتها المأساوية، بعد نفاد صبرها، ولم تجد حلولا ودية لمشاكلها مع زوجها؛ فلجأت إلى القضاء كآخر محطة لها، وقد حكمت المحكمة بتطليقها من زوجها، وألزمته بدفع نفقة شهرية قدرها 350 ريالا لأبنائهما، وطرد الأب من المنزل.
العلاقة الزوجية حسمت وانتهت بحكم قضائي، وخرج الأب من المنزل وصمت الأم أبنائها.
قررت أمل البدء في حياة جديدة بقرار ترك الوظيفة، وتجربة حياة عملية جديدة والتركيز على تعويض ما فات والعيش بسعادة مع أبنائها، ولكن على الجانب الآخر ثمة وحش ينمو في عزلته، وحش لم يكن ليصبح كذلك لو أحسن التعامل معه بطريقة سليمة، وحش لم يكن قاتلا محترفا، لم يكن قاتلا متسلسلا، ترك في بيئة يتغذى فيها على الحقد والضغينة، أهمل بطريقة ما دون ترغيب أو ترهيب من تبني أفكار العنف، أثقلته الديون، مطرود من وظيفته، وتركت أمل ينهشها الخوف، تشتم رائحة الموت في كل مكان، لقد رأته في حلمها، حاولت أن تقول شيئا، ولكن لم تجد الكلمات، ولا الآذان مؤهلة لفهمها؛ فخرجت دون حماية رغم التهديدات الجادة المتلاحقة التي تعرضت لها من قبل قاتل محتمل!
لاحقها بسكين ونجت من جريمة خائبة في المرة الأولى وقد انقضت بالتنازل بعد تكييفها بجنحة التهديد!
ووقع القاتل المحتمل تعهدا ـ لا قيمة له ـ ثم انطلق كمجنون يحمل سلاحا؛ فاستمر في ملاحقة ضحيته، ولا شيء يقضي على الدافع العاطفي لقاتل محتمل ظهرت منه سلوكيات واضحة وجلية بما لا يدع مجالا للشك بتنفيذ جريمته، وأخطرها الشروع في جناية القتل فشلت دون ارادته، فقد صادفته مختبئا في الكرسي الخلفي لسيارتها يحمل سكينا طولها ذراع ، وكان يجب ترجيح الشروع لا التهديد ويترك الأمر لعادلة المحكمة لتقدير العقوبة؛ فلا شيء يقضي على نزعة الانتقام أو التخطيط للقتل بدافع عاطفي سوى السجن وإخضاع السجين لدورات دينية ونفسية مكثفة، وعند الإفراج يخضع لرقابة صارمة حفظا لروح الضحية وسلامة له… وللأسف كل هذا لم يحدث؛ فتعقب القاتل ضحيته في وضح النهار مطلقا العنان لنفسه وهو دليل على عدم اكتراثه، ولا مبالاة بإزهاق نفس، ولا خوف من العقاب، ولا مجرد تفكير في العواقب.. وحش وجد نفسه بين خيارين : “تموت هي أو أنا أو نموت نحن الاثنان معا”!