أماني بنت خلفان السيابية
الثامن عشر من نوفمبر، يوم محفور في ذاكرة كل عماني منذ أكثر من نصف قرن، يوم يحمل الكثير من المعاني، يقرأ في العيون ويسبق الكلمات، ليزيد اعتزازنا بالماضي التليد وثقتنا في الحاضر والمستقبل.
على مدار 53 عاماً، وعمان ترسو في محطة الثامن عشر من نوفمبر لتحتفل بما تحقق من منجزات على أرضها الطيبة، تسعد بما تم تحقيقه، وتراجع ما وصلت إليه وما تتطلع لنيله، تشحذ مزيداً من القوة والعزم والإرادة لمواصلة السير نحو المستقبل المشرق.
في كل عام، يحمل هذا اليوم طابعاً خاصاً، وبهجة استثنائية ومشاعر مميزة، فشوارع مسقط العريقة تتزين بالأعلام والزينة المضيئة، وتتوشح الأبنية بألوان علم عمان المضيئة وكأنها كواكب دريّة، يتأنق الصغار قبل الكبار، وتقام الإحتفالات والأهازيج على مستوى الأفراد والمؤسسات، ويعتري الجميع السرور والحبور.
لكن هذا العيد مختلف، وكأن لسان حاله يقول كما قال المتنبي: عيد، بأي حال عدت يا عيد؟
لقد فقد هذا العرس ألقه وبريقه قبل أن يبدأ حتى! فالشوارع والطرقات لم تتزين سوى بالأعلام، والأبنية شاحبة لا تحمل النور المعهود، والأناشيد الوطنية لا يسمع صداها في البيوت والحارات، اختزلت جميع مظاهر الاحتفال في العرض العسكري الذي سيرعاه بمشيئة الله تعالى حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم –حفظه الله ورعاه- لن نرى هذا العام الرزحة العمانية في مختلف ولايات السلطنة التي يستخدمها العمانيون –عادة- للاعتزاز بهويتهم الوطنية وللإشادة بما تحقق من منجزات على أرض الوطن، لن نرى الألعاب النارية في سماء عماننا الحبيبة ولن نرى عرضة الخيل الأصيلة، ولن تقام الاحتفالات الخاصة حتى على مستوى العائلة العمانية.
كيف لعمان أن تحتفل وشقيقتها فلسطين تئن وتنزف! كيف تقام الاحتفالات والأهازيج في عمان، وفي غزة تشيع الجنائز وتستمر المجازر، كيف للعماني أن يهنأ وأخوته بالدم واللسان والعروبة ينكل بهم ويهتك سترهم ويرتكب بحقهم أبشع الجرائم من قبل احتلال غاشم جائر همجي وعلى مرأى ومسمع العالم الدولي أجمع.
عمان -حكومة وشعباً- لم تألوا جهداً في نصرة القضية الفلسطينية على مر العقود والحقب الماضية، كانت وما زالت ثابتة في موقفها تجاه حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وحق اللاجئين بالعودة إلى أراضيهم المحتلة، فمواقفها المشرفة في عهد السلطان الراحل قابوس بن سعيد –طيب الله ثراه- شاهدةً على ذلك وحتى وإن كانت بعيدة عن صخب وضجيج الإعلام، ومواقف السلطان هيثم بن طارق المعظم –حفظه الله ورعاه- تجاه القضية الفلسطينية مستمدة من مواقف عمان التاريخية وهو ما أكد عليه جلالته في خطابه الذي ألقاه أمام مجلس عمان في دور الانعقاد السنوي الأول للدورة الثامنة لمجلس عمان في الرابع عشر من نوفمبر الجاري.
وإن مما له دلالة عميقة على حضور القضية الفلسطينية في نفوس العمانيين -قيادةً وشعباً-، هو بيان الأمانة العامة للاحتفالات الوطنية باقتصار الاحتفال بالعيد الوطني الثالث والخمسين المجيد على العرض العسكري ورفع الأعلام تضامنا مع الشعب الفلسطيني الشقيق، فنحن نشترك معاً في الدم والتاريخ وتحديد المصير.
حفظ الله قيادتنا الرشيدة، وحفظ الله شعب غزة وفلسطين قاطبة، وأيد الله المقاومة بنصره، وكل عام وأنتم بخير وأعاد الله عيد وطننا بالعافية في ظل سلطاننا وأرضنا الغالية.