خاص- شؤون عُمانية
يرى بعض المثقفين والفنانين أن “الشللية” في الأوساط الثقافية والفنية ليست أمرا جديدا، إذ أنها تتواجد في الكثير من المجالات والقطاعات الأخرى، مضيفين أنها لم تكن يومًا بعيدة عن الأوساط التي دائما ما يشملها التنافس والسعي للظهور.
وتقول الفنانة التشكيلية نائلة المعمرية، إنه من الضروري أن نفرق بين نوعين من الشللية؛ وذلك لأنها ليست في مجملها سيئة ومضرة، فهي ظاهرة قديمة ونجدها في كافة المجالات، ولا تقتصر فقط على مجال الفنون التشكيلية على سبيل المثال، وإنما في كل المجالات من فن وموسيقى و أدب و شعر وغيرها.
وتضيف: إذا كان الهدف من الشللية أخذ حق الغير، والإساءة للآخرين، فهذه شللية سيئة ومضرة لهم قبل الغير، لإنه سيكون فيها التبعية وضعف الشخصية، والتفكير السطحي، وعدم تطور المهارات كونه يسعى وراء كسر الآخرين، فليس لديه وقت لتنمية مهاراته وإظهار إبداعاته، وهذا النوع منتشر بشكل كبير في كل دول العالم.
وتتابع أن النوع الآخر من الشللية؛ هو الشللية الهادفة، بمعنى أن يجتمع أفراد كفريق عمل جماعي فعال، وكل فرد منهم يكمل الآخر في انسجام وتناغم وتوافق ثقافي وفكري وإبداعي، فهذا النوع من الشللية إيجابية.
وتؤكد: هناك عوامل كثيرة تساهم في ظهور الشللية خاصة في مجال الفنون التشكيلية ومن بينها: عدم وجود تنافس شريف حقيقي بين أعداد من الفنانين، وهذا يعود للفنان المؤذي لأنه غير واثق من إمكانياته الفنية وقلة خبرته وتجاربه، مرورا بغياب القوانين و اللوائح من الجهة المسؤولة عن الفنانين، وأتوقع لو كان لدينا نقابة فنانين، كان الكل سيعطى حقه ضمن القوانين والأنظمة المتبعة، سواءً مشاركات في معارض أو إقامة حلقات عمل أو محاضرات.
وتشير: “هناك ضعف في الثقافة الفنية بالمجتمع، الأمر الذي أدى إلى تجمع كل فئة بمستوى ثقافي مع بعضها وبشكل كبير، ناهيك عن علاقة المسؤولين الذين يعملون مع فئة معينة من الفنانين دون الآخرين، وهذا الأمر زاد الطين بله، فهنا أخذت تلك العلاقة حيزا غير إيجابي ووسعت الهوّة بين المسؤول والباقي من الفنانين، وهذا ينعكس على كل الامتيازات التي من الممكن أن يمنحها ذلك المسؤول لصديقه الفنان”.
وتوضح: ثمة نتائج لتلك الشللية، وهي انحدار الإبداع الفني كوني أتحدث عن الفنون التشكيلية من قمة الهرم الفني، وربما هدمه لكل شي لأن الأساس هش، فيجب أن تكون شللية إيجابية وليست سلبية، وأظن أن علينا وضع قوانين واشتراطات تضمن حقوق الجميع، ودائماً أقول من الممكن أن نطلع على قوانين اليونسكو في مجال الفنون التشكيلية ونأخذ ما يناسبنا، ومن بينها إنشاء نقابة فنانين تشكيلين، وتذكير الآخرين بالقيم الإنسانية الحقيقة في المجتمع”.
أما الكاتب والصحفي يوسف الحاج فيرة أن الشللية لا يمكن إنكارها ولا تجاوزها، لأنها موجودة في العمل وفي الأوساط الثقافية والفنية وفي سائر المجتمعات.
ويبين: للشللية أسبابها ودوافعها الخاصة منها العلاقات الشخصية أو المصالح المشتركة، ولها وجهان سلبي وهو السائد وإيجابي ويعتمد تقييمها على ماهيتها ونتائجها، ولو تحدثنا عن إيجابياتها فإن الشللية التي تجمع الكفاءة يكون في كثير من الأحيان نتاجها مقبولة، خلاقا ما إذا كان طابعها غياب الكفاءة؛ فمن الطبيعي نرى لها نتائج سلبية وغير موفقة وهي تنعكس سلبا على عملية التقييم، كما أن المنجز يأخذ من الثناء والضوء ما لا يستحق، خاصة إذا وقفت وراءه الشللية، ويأتي ذلك على حساب المنجز الإبداعي الذي قد لا يأخذ حقه”.
ويوضح: من أجل تقليص مساحات الشللية يمكن تسليط الضوء عليها من خلال الإعلام ومناقشة أسبابها ونتائجها التي قد تؤثر على المنتج الثقافي والفني، ولكن يجب أن نعترف بأن هذه الحلول ليست ناجعة لأن هذا الأمر شأن قديم ومتجذر وله دوافع كثيرة تتعلق بطبيعة الذات البشرية، ولا يمكن تكييف ذلك بقوانين وتشريعات، وعلى مر التاريخ هناك تجذر للشللية في السينما والدراما العربية، فقد رأينا على سبيل المثال أسماء لا تعمل إلا في ظل أسماء أخرى في أغلب تجاربها لضمان نجاحها، وهذه شللية خلاّقة ولها قيمتها الفنية وتكون محركا للتنافس بين أبناء المهنة.
ويذكر المخرج السينمائي محمد العجمي أن مصدر الشللية في الأوساط الثقافية والفنية هو التمويل والدعم الرسمي، مبينا: “في العديد من الأحيان، يعتمد الفنانون والمثقفون على التمويل الرسمي أو الدعم الثقافي لإنتاج أعمالهم، ولأن هذا الأمر مرتبط بالأشخاص فأظن ان السبيل إلى وجود الشللية أمر واضح، ناهيك عن قلة الفرص والمساحات والقيود والتحفظات، فبعض الأوساط الثقافية والفنية تواجه قيودًا قانونية أو اجتماعية تمنع الإبداع والتعبير الحر”.
ويلفت إلى أن أسباب هذه الظاهرة هو “عدم وجود التمويل الكافي بمعنى عدم وجود التقدير الكافي للثقافة والفن في المجتمع، مما يؤدي إلى تراجع الإبداع الثقافي والفني، وفقدان الهوية الثقافية، وعلينا أن نعزز التعليم الفني والثقافي والوعي الثقافي”.
وتؤكد وفاء الحنشية أن سبب الشللية في الأوساط الثقافية والفنية، هو المثقفون أنفسهم، موضحة: “أصبح الاختيار مبني على أن هذا صديقي وصاحبي وذاك عدوي، وأسبابها هي الأنانية وصوت الأنا المزيف لدى البعض، أما النتائج فهي وجود فروقات طبقات وجماعات ثقافية مختلفة منها القوية من تملك سلطة تحريك كل شيء ومنها التي تحاول أن تبرز نفسها رغم معاناتها من التضييق رغم امتلاكها المواهب التي يفتقرها، وهنام ودشلة ثالثة مهمشة تحاول أن تجد الدعم من الشلل السابقة وقد ينجح بعض من فيها رغم افتقارهم لمميزات عدة وامتلاكهم علاقات صداقة أو مصلحة شخصية، ولا أظن أن ثمة حلول لظاهرة متفشية منذ عقود طالما أنها ظاهرة شبه متوارثة، وأرى أنه ليس في الاحتكار وإظهار الأنا أي إيجابية”.