*بقلم: سالم بن علي المشهور
نظرة الإنسان إلى الدين منذ انتصار الغرب على هيمنة الكنيسة وسلطة رجال الدين، تغيّرت كثيرا عن نظرة السابقين إليه، فما إن سقطت سلطة الكنيسة حتى بدأت تظهر على ساحة العلم عشرات بل مئات الدراسات الجريئة في نقد الأديان والبحث عن أصولها ومناقشة تشريعاتها، وكان لسلطة الكنيسة واستبدادها الأثر الكبير في حرف مسار الدراسة عند بعض الباحثين، الذين انطلقوا من منطلقات ذاتية غير موضوعية، في نقد الأديان بل تجاوزوا ذلك إلى نقد الذات العالية للخالق – سبحانه وتعالى- أو إنكار وجودها، معلنين بذلك انتهاء عصر المقدسات!.
وفي عالمنا العربي والإسلامي تأخّرت الدراسات النقدية للأديان كثيرا، وعندما بدأت اتخذت طابعًا هجوميًا شرسًا! محمِّلةً الأديان وبالأخص الدين الإسلامي سبب تخلّف العرب، ومن أبرز الكتابات التي تمثل هذا المذهب، كتابات رجل الدين السعودي السابق عبد الله القصيمي الذي انتقل في فكره من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وأغرق المكتبة العربية بالكثير من الكتابات النقدية المتشنّجة والمتطرّفة، ومثال على ذلك كتابه: ” الكون يحاكم الإله”.
هذه المعركة مع الدين في المشرق، كانت نتيجتها مختلفة عن نتيجة معركة الإنسان الغربي مع الدين في بلاده ممثلا في الكنيسة، ففي الغرب انحسر وجود الدين وأثره في الحياة، وتلاشت سلطته على العلم والسياسة وكافة مجالات الحياة تقريبا، أما في المشرق فإن المعركة أسفرت عن نتائج مختلفة، فما زال الدين صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في كل مناحي الحياة، فالدين في الشرق له حضوره على كل المستويات، له حضوره في البيت، والمسجد، وقبة البرلمان، وفي الربيع العربي حضر الدين بقوة في ساحات الاعتصامات والمظاهرات!، وعندما قامت الانتخابات رأينا كيف أن الشعوب اختارت الحركات السياسية الإسلامية بوحي من عاطفتها الدينية و أوصلتها إلى سدة الحكم!.
كل هذا يجعلني أقول: إن الدين بمثابة الروح للمجتمعات الشرقية، لذلك لا يمكننا أبدا إخراجه من أي معادلة إصلاحية، فالشرق مهد النبوات، وتربة الرسالات السماوية الثلاث، ومنه ظهر للوجود الأنبياء العظام إبراهيم وموسى والسيد المسيح وسيدنا محمد -عليهم السلام- فالزواج بين الشرق والدين هو زواج كاثوليكي أبدي، لا طلاق فيه!!.
وهذا يدفعنا جميعا بمختلف توجهاتنا الفكرية ومذاهبنا الدينية، إلى الإسهام والمشاركة في الأبحاث الفكرية والدينية التي تكشف الوجه الحقيقي للدين، وتساعده على القيام برسالته الأخلاقية والروحية والتشريعية على أكمل وجه، وهذا لن يتحقق إلا في مناخ الحرية الفكرية، التي لا تتعارض أبدا مع الدين الذي يقول: لا إكراه في الدين!.
وقبل أن أختم كلامي أحب أن أشير إلى أن من أبرز المخاطر التي تهدد بقاء الدين في موقع الصدارة والريادة في مجتمعاتنا الشرقية، الزج بقداسة الدين في تجارب سياسية، قابلة للفشل والإخفاق، متناسين أن السياسة لعبة قذرة، ينتصر فيها من يجيد امتهان فنون المكر والخداع والخيانة!، ومن الغريب أن المؤمن الصادق في تدينه يبحث عن مقعد صدق عند مليك مقتدر، والسياسي المتأسلم يبحث في تدينه عن مقعد في البرلمان!
الأول الدين عنده غاية، والثاني الدين عنده وسيلة إلى غاية!
الأول بأخلاقه أدخل العشرات في دين الله، والثاني بتصرفاته أخرج العشرات وربما المئات من دين الله!.
*كاتب عماني