خاص- شؤون عُمانية
يؤكد عدد من المختصين أن المخدرات من الآفات التي تعاني منها كثير من الدول، كما أنها تعد خطرا يهدد استقرار المجتمعات لأنها تؤثر سلبا على الأفراد والأسر والاقتصادات، وتخلف وراءها ضحايا من المصابين بالأمراض الصحية والجسدية، كما أنها من الأسباب التي تؤدي إلى انتشار الجريمة.
وتقول الدكتورة أميرة بنت عبدالمحسن الرعيدان، مشرفة قسم التوعية والإعلام بلجنة الوقاية بالمكتب التنفيذي للجنة الوطنية لشؤون المخدرات والمؤثرات العقلية وطبيبة نفسية أولى بعيادة الإدمان بمستشفى المسرة، إنه بسبب التنوع في أنواع المواد المخدرة والمؤثرات العقلية، واختلاف درجة المواد السميّة التي تحتويها، بالإضافة إلى أساليب التعاطي المختلفة ومدة التعاطي للمخدرات، كل ذلك يترتب عليها العديد من المضاعفات الصحية مع قابلية الإصابة المبكّرة بالأمراض المزمنة مثل مرض ارتفاع ضغط الدم ومرض السكري ومرض القلب والأوعية الدموية والجلطة الدماغية، إلى جانب الإصابة بالأمراض غير المعدية مثل التهاب الكبد الوبائي ج، مرض الإيدز والأمراض الجنسية التناسلية مثل مرض الزهري.
وتضيف أن أضرار تعاطي المخدرات تتعدى الجانب الصحي لتصل إلى الجانب النفسي مسببة اضطرابات نفسية وسلوكية مثل مرض القلق النفسي والاكتئاب وميول انتحارية وأعراض ذهانية من هلاوس سمعية وبصرية واضطراب المزاج ومرض الذهان، موضحة “نلاحظ أن ضرر المخدرات لا يقتصر على الشخص فقط وإنما يمتد ليطال أسرته ومجتمعه كذلك، بسبب سلوكياته الإدمانية السلبية مما قد يولد توترا في العلاقات الاجتماعية، وقطع العلاقات الإنسانية مع جيرانه وأقاربه، والذي بدوره قد يؤدي إلى هزّ كيان الأسرة بسبب المشكلات القضائية والأمنية التي يتعرض لها المدمن والتي قد تنتهي بحالة الطلاق وتشتت الأسرة، كما أنه سيصبح عضوا غير فاعل في مجتمعه، وتتكبد الدولة موارد مالية ضخمة لتوفير التدخلات العلاجية والتأهيلية لعلاجه”.
وتشير الرعيدان إلى أنه في ضوء الأبعاد الصحية والنفسية والاجتماعية والقضائية، فإن المدمن يشعر بأنه غير قادر على العيش بطريقة طبيعية بسبب وصمة التعاطي، وقد يكون عرضة للإصابة بالأمراض التي تحتاج لعناية طبية لفترة طويلة، وأنه غير قادر على الزواج بسبب الوصمة الاجتماعية المرتبطة بتعاطيه للمخدرات، هذا بالإضافة إلى أنه أصبح عبئا على الأسرة لكونه عاطلا عن العمل ومثقلا بالديون المالية التي استنزفها في التعاطي.
ويرى الكاتب الدكتور رجب بن علي العويسي أن المخدرات تمثل تحديا يواجه مجتمع سلطنة عُمان، في ظل مستوى الترويج لها عبر المنصات الاجتماعية والصفحات الالكترونية والعصابات الدولية التي تتخذ لها أهدافا مختلفة وتستهدف الشباب، مستغلة وجود الشباب في هذه المنصات وغيرها، إذ يقع بعضهم ضحية لمروجي المواد المخدرة بسبب ضعف الوازع الديني والحوار الأسري والاجتماعي وغياب الرقابة الأبوية وغيرها من العوامل، مضيفا “بات الأمر في حجم تأثيره وضخامة نتائجه يدق ناقوس الخطر، وهناك حاجة إلى قراءة أخرى للمسار الوطني في التعامل مع المخدرات، ووضع منهج متكامل منطلقا من استيعاب الأهداف الأربعة في عمل الاستراتيجية الوطنية لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية التي اعتمدها المقام السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ في بداية عام 2023، والمرتكزة على بناء القدرات الوطنية في التوعية والوقاية والعلاج والتأهيل وإعادة الدمج والمكافحة والرصد والدراسات؛ مع الاحتفاظ بكل الأدوات والآليات والصلاحيات المتاحة للجهات المختصة في التعامل مع الموضوع وفق الآلية التي تعمل عليها، إلا أن الحاجة إلى تعزيز الوعي المجتمعي وتبني السياسات والبرامج والآليات والأساليب والوسائل والمبادرات والأطروحات الوطنية على أوسع نطاق في التعامل مع هذا الأمر يشكل أولوية وطنية تصنع لقضية المخدرات حضورها في المعالجة في بيئات المدارس والجامعات والمؤسسات والإعلام، بالإضافة إلى متابعة تنفيذ العقوبات والجزاءات الواردة في البنية التشريعية لمكافحة المخدرات، بالإضافة إلى تبني الحملات التوعوية والتثقيفية على مستوى المدارس والمجمعات والمراكز الصحية والمستشفيات وفي الأماكن العامة، كل ذلك يخلق تحولا يعيد فيه المجتمع النظر إلى هذه الآفة الخطيرة ويتخذ قرارا ذاتيا بمكافحتها”.
ويؤكد أن هذا الأمر يستدعي أيضا تحولات في رصد ودراسة وتشخيص واقع المخدرات والاتجاه إلى البرامج التعليمية والمهنية والتدريبية والتطبيقية التي تستوعب الشباب وتعزز من مهارات الاجتماعية ومهارات الحياة لدية وتشغل وقته، في ظل ما يتيحه الفراغ من فرص نمو هذه الظاهرة وانتشارها في أوساط الشباب، بالإضافة إلى التأكيد على أهمية تحديث البيانات والإحصائيات الوطنية المعززة للمؤشرات الاجتماعية عامة والمخدرات بشكل خاص، وأن ينشط دور المركز الوطني للمعلومات والإحصاء في توفير البيانات الداعمة والمحدثة التي تقرأ مستوى النمو الحاصل في انتشار هذه الآفة الخطيرة والفئة التي تستهدفها والفئة العمرية الأكثر ممارسة لها والظروف التي تعمل فيها هذه الفئة، وعبر جملة من المتغيرات النوعية والوصفية التي تقدم لجهات الاختصاص والباحثين في مراكز البحوث الاجتماعية والنفسية ستبرز فرص أكبر في تبني حلول مستدامة ومعالجات ناجعة وأساليب ووسائل واضحة تتيح لها فرص التعامل مع المدمنين وغيرهم.
ويلفت العويسي إلى أن مجتمع سلطنة عمان الذي به نسبة 30% من الشباب في الفئة العمرية من 18- 29 سنة، وهو من المجتمعات المستهدفة بالمخدرات بقصد تعطيل قدرات الشباب وتقليل مسار الإنتاجية، متابعا: “ما يرتبط بأبعاد الاجتماعية للمخدرات من اتساع في التأثير، وهو تأثير بات يحمل في ذاته أجندة أخرى أمنية ونفسية وفكرية قد تكون غير ظاهرة للبعض ولكنها أصبحت مكشوفة مع مرور الوقت، تستهدف تشويه الصورة الحضارية للإنسان العماني والقيم والمبادئ التي يعيشها في عالم مضطرب؛ فإن المخدرات بما تستهدفه من تغيير الهوية وإعادة توجيه ثقافة الشباب وأولوياته، وغرس ثقافة مجتمعية استهلاكية مشوهة ضعيفة لديهم مضادة لروح المجتمع العماني وهويته، يستدعي ذلك مراجعة جادة لكل الموجهات المرتبطة بقضية المخدراتوتكاتف مجتمعي في المعالجة، وتفعيل خيوط التأثيرات الوطنية الإعلامية والأمنية والاقتصادية والتعليمية والتربوية والدينية والترفيهية والشبابية والرياضية في مواجهة المخدرات، لبناء مجتمع صحي نشيط منتج فاعل مساهم في خدمة وطنه”.
وتبيّن المحامية فاطمة المقبالية أن المادة (47) من قانون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية نصت على: أن يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن (١) سنة واحدة، ولا تزيد على (٣) ثلاث سنوات، وبغرامة لا تقل عن (٥٠٠) خمسمائة ريال عماني، ولا تزيد على (٣٠٠٠) ثلاثة آلاف ريال عماني، كل من استورد، أو اشترى، أو أنتج، أو صنع، أو حاز، أو أحرز مواد مخدرة أو مؤثرات عقلية من تلك المدرجة في الجداول أرقام (١، ٢، ٣، ٤،) من المجموعة الأولى، والجدول رقم (١) من المجموعة الثانية أو زرع، أو حاز، أو أحرز، أو اشترى نباتا من النباتات المدرجة في الجدول رقم (٥) من المجموعة الأولى، الملحقة بهذا القانون، أو أي جزء من أجزائه في أي طور من أطوار نموه، أو بذوره، وكان ذلك بقصد التعاطي، أو الاستعمال الشخصي في غير الأحوال المرخص بها قانونا، كما يعاقب بالعقوبة ذاتها كل من تعاطى أيا من المواد المذكورة في غير الحالات المرخص بها قانونا، وتكون العقوبة السجن مدة لا تقل عن (٣) ثلاث سنوات، ولا تزيد على (٧) سبع سنوات، وبغرامة لا تقل عن (١٠٠٠) ألف ريال عماني، ولا تزيد على (٥٠٠٠) خمسة آلاف ريال عماني، إذا كان ذلك بغير قصد الإتجار، أو التعاطي، أو الاستعمال الشخصي، وفي غير الأحوال المرخص بها قانونا، ويجوز للمحكمة بدلا من توقيع العقوبة المنصوص عليها في الفقرة الأولى من هذه المادة أن تأمر بإيداع من يثبت إدمانه تعاطي المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية إحدى المصحات التي تنشا لهذا الغرض، أو معالجته في إحدى العيادات المتخصصة في المعالجة النفسية والاجتماعية والتردد عليها، وفقا للبرنامج الذي يقرره الطبيب النفسي، أو الاختصاصي الاجتماعي في العيادة.
وتضيف: لا يجوز أن يودع في المصحة من سبق الأمر بإيداعه فيها مرتين تنفيذا لحكم سابق، أو لم يمض على خروجه منها أكثر من (٥) خمس سنوات، مبينة: “من وجهة نظري المتواضعة كمحامية أتمنى أن تكون الخدمة الاجتماعية مثل حفر القبور وتنظيف المساجد وتحفيظ القرآن الكريم وتنظيف الحدائق وغيرها من الخدمات الاجتماعية، بدلا عن العقوبة الحبسية”.
ويذكر الكاتب والمحامي فهد الأغبري أن جرائم المخدرات تأخذ مساحة واسعة في أروقة المحاكم على وجه الخصوص، حيث سجلت المحاكم في عام 2021 أكثر من 1700 قضية مرتبطة بجرائم المخدرات وتشكل جرائم المخدرات ما نسبته 13.4 من نسبة الجرائم في سلطنة عُمان لذلك العام وفقا لإحصائيات الادعاء العام التي أصدرها المركز الوطني للإحصاء والمعلومات، مؤكدا أنه من الضروري زيادة التوعية بمختلف الجوانب بما فيها الجانب القانوني حول المواد التي نظمها قانون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية، وألا تقتصر التوعية فقط على الجانب القانوني من حيث العقوبات والآثار التي تخلفها المخدرات وإنما يجب التركيز على التوعية من الناحية التربوية والدينية والاجتماعية، بالإضافة إلى الحرص على الأبناء من خلال التوجيه والإرشاد”.
ويوضح: وضع القانون عددا من الحلول من أجل تجنيب الشخص الذي وقع في هذه الآفة (المخدرات) لما يساعده على الخروج من هذه المشكلات، وتنص المادة 51 من القانون بأنه: لا تقام الدعوة الجزائية على من تقدم من متعاطي المواد المخدرة والمؤثرات العقلية إلى السلطات للعلاج في المصحة من تلقاء نفسه أو بطلب من زوجه أو أحد أقاربه حتى الدرجة الثانية، بالإضافة إلى أن القاضي يمكن يقضي بإيداع المتعاطي بالمصحة من أجل العلاج والقضاء على الآثار المترتبة على تعاطي المخدرات، لافتا إلى أن غاية المشرع من النصوص والمواد القانونية هو معالجة هذه المشكلة ووضع الحلول من أجل عدم انتشارها في المجتمع والتأثير على أفراده.