خاص لشؤون عمانية:
أجرى الحوار: علاء حميد إدريس
كتبت دراسة عن الجدل الإسلامي – المسيحي أين نحن من هذا الجدل والحوار اليوم ؟
الجدل الإسلامي المسيحي موضوع قديم يتجدد تبعًا لما تفرضه سياسات الدول، تأسس الجدل الإسلامي مع أهل الأديان الأخرى بناء على مواقف سجّلها القرآن الكريم، وصدرت عن النبي صلى الله عليه وسلم وتجددت بفعل آل بيت النبوة مع اليهود والنصارى، ورويت الكثير من المجادلات بين الطرفين (الإسلامي والمسيحي)، وسجّلت المرويات التاريخية أخبار تلك المجادلات، واعتبرها البعض دليل حرية وتسامح، كما اعتبرها آخرون دليل إقصاء ومماحكة من المسلمين في عزّ انتصارهم على غيرهم وتوسع فتوحاتهم على حساب الآخر.
كان اهتمامي في دراستي عن أدب الجدل والدفاع بين الإسلام والمسيحية منصبًا على تتبع الأدبيات في القرن الثاني الهجري، وركزت بصورة خاصة على نصوص علي بن ربن الطبري، كان كاتبًا نصرانيًا فأسلم في خلافة المعتصم، ويُقال إن الخليفة المتوكل ساعده في كتابة بعض مؤلفاته، نقد الطبري نصوص الجدل الإسلامية التي كُتبت قبله بأقلام المعتزلة، وقدّم منهاجًا للكتابة في هذا الفن، كان نقده بمثابة محفّز على تتبع الأدبيات السابقة واللاحقة له، لكن المدهش لمن يتابع الكتابات الجدلية أنه يجد نفس الأغراض الجدلية واحدة في من القرن الثاني الهجري حتى القرن السابع الهجري، لا جديد إلا مسائل طفيفة، فالكلام على التوحيد والتثليث، وبشارات الأنبياء بالنبي محمد، وغيرها من المسائل تُكرر ويكرر الحديث السابق بنصّه، وقد انتهى بعض الدارسين إلى تساوي الحجج الجدلية لدى كل من المسلمين والنصارى.
تغيّرت الأمور في العصر الحديث مع الإرساليات التبشيرية، وتبني بعض المجلات والصحف لهذا الملف الجدلي، وتُرجمت الكتب التي تدعم كل فريق، وصيغت الردود، وأُغلقت بعض المجلات بسبب احتدام الجدل، وأعادت بعض السياسات الحديث في هذا الموضوع كوسيلة من وسائل تغييب الشعوب، إلا أنه وسط هذا الركام سُجّلت كتابات راقية فيها محاولة للتعرف على الديانات بشكل أكبر، وفيه نوع من الحوار الحقيقي والتسامح بين أهل الأديان، والنقاش الجاد المؤسس على معرفة، من ذلك نذكر سلسلة حملت عنوان: الإسلام والمسيحية في الحوار والتعاون، تجاوزت أعدادها الستين كتابًا، شارك فيها ممثلون للمذاهب والأديان من البلدان العربية والأوروبية، ولا تزال تُطبع في حريصا بلبنان.
لديك مشروعٌ في تأليف وتبسيط المعرفة الصوفية من خلال مطبوعات تُتاح قراءتها لشرائح عدة من أفراد المجتمع، هل جاء هذا المشروع ليسد فراغًا او خللا معرفيا ؟
حاولتُ من خلال موقع طواسين تقديم معرفة عن التصوّف الإسلامي تلائم رقي الروحانية في الإسلام، وتقترب من هذا العالم غير متغافلة عن السلوك ولا متماهية مع أي طُرُقيَّة مهما كان حجمها، ورأيتُ أنّ نشر المعرفة هو أفضل ما يجابه التشويش الذي نراه، سواء من خصوم التصوف أو من المحبين لصورة من صوره. إذ حمل الموقع على عاتقه نشر دراسات عن التصوّف الإسلامي تشمل أفكاره وأعلامه وسلوك أهله، وتُعنى ببحث نظرياته وتطوّره التاريخي، وتعرّف بجوانب نراها غير مشهورة اليوم، ولم نقتصر في ذلك على الكتابات العربية التي يزوّدنا بها متخصصون من المغرب ومصر وتونس والجزائر والهند وألمانيا وفرنسا والعراق والكويت، عبر مقالات تطوّعوا بإرسالها مؤمنين بدور الموقع ورسالتهم، بل حاولنا أن نقدم كذلك إلى جانب المقالات والبحوث عبر الترجمات عن اللغة الفرنسية والإسبانية والإنجليزية والأوردية والفارسية والإيطالية ما يساهم في تطوير معارفنا عن التصوف الإسلامي، وغير خافٍ أنّ التصوف اليوم يشهد اهتمامًا بالغًا من الجامعات الغربية كافة.
هل يمكن أن تحدثنا عن كتب التصوف التي صدرت عن طواسين، وهل هي معبرة عن الإنتاج الصوفي اليوم؟
صدرت عن طواسين عدة كتب عن التصوف الإسلامي، ما بين تحقيق وترجمة وبحث، كانت البداية مع كتاب معنى أن تكون صوفيًا، وقد حاولت فيه أن أعرض للتصوف عبر مشاركة بعض الطرق في احتفالاتها وطقوسها، فجمعت فيه عدة مقالات يمكن اعتبارها وجهة نظر شخصية تكوّنت لديّ من خلال مخالطة بعض الجماعات الصوفية، وفي القسم الثاني من الكتاب قدّمت دراسة عن شاعر صوفي حاولت أن أبرز المعنى الصوفي في حياته وسيرته، وفي القسم الأخير من الكتاب قدّمت نموذجًا من النصوص الصوفية التراثية لم ينشر من قبل لأحد المتصوفة الفرس. وفي الطبعة الثانية من هذا الكتاب قمت بتنقيح ما نُشر سابقًا وطوّرت بعض الأفكار فيه، وأضفت إليه مبحث خاص بالدارسين للتصوف الإسلامي شرقًا وغربًا، اخترت مجموعة من الأساتذة عرضت لجهودهم حتى يسهل على القارئ أن يعمّق معارفه في التصوف عبر متابعة أعمالهم.
الرومي بين الشرق والغرب:
كان هذا الكتاب ثاني كتاب يصدر وقت تأسيسي لطواسين، وهو جهد مشترك بيني والأستاذة عائشة موماد من المملكة المغربية، تناولتُ في القسم الأول حضور الرومي في البلدان العربية قديمًا وحديثًا، وقدّمت عائشة موماد جزءًا من الإنتاج الغربي عن الرومي، عبر ترجمتها لمجموعة من الدراسات عن مولانا لإيفا دوفيتري ميروفيتش، وليلي أنفار، وبعض الدارسين الناطقين بالفرنسية، وقد ختمت هي القسم الخاص بها بترجمة مختارات من رباعيات مولانا جلال الدين.
المستشرقون والتصوف الإسلامي:
بعد أن نشرت هذه المواد المبسطة عن التصوف وجلال الدين الرومي، جمعت جزءًا من الكتابات التي عرضتُ من خلالها جهود بعض المستشرقين في درس التصوف الإسلامي، ونشرتها في كتاب يحمل عنوان (المستشرقين والتصوف) وركزت في هذا الكتاب على المقاربة الألمانية والمستشرقين الألمان الدارسين للتصوف الفارسي، وبشكل خاص أنّا ماري شيمل، التي حملت على عاتقها طوال حياتها نشر جماليات الإسلام والتصوف.
الرومي في الهند:
هو في أصله بحث حول حضور الرومي في أدبيات المفكرين المسلمين الذين أثروا في العالم الإسلامي ولا تزال أدبياتهم موضع تقدير من جمهور كبير، وقد ركّزت بشكل خاص في هذا البحث على أعمال أبي الحسن الندوي، الذي خصص جزءًا من كتاباته للتعريف بالرومي وآثاره الإبداعية واستفاد منه في كافة أعماله المتلعقة بالقرآن والقصص الديني، نظرًا لأهمية كتابات الندوي واستدعاء نصوصه اليوم ونقدها من قِبل البعض المخاصم للتصوف، ورأيت أن أشفع هذه الدراسة بكتابات الندوي عن مولانا جلال الدين الرومي.
رباعيات مولانا جلال الدين الرومي:
بعد أن قدّمت عائشة موماد جزءًا مختارا من أشعار الرومي ناقلة هذا الجزء عن اللغة الفرنسية، صحّ عزمها لترجمة مختارات من رباعيات الرومي، عن نسخة إيفا دوفيتري ميروفيتش، وقد قدّمت لهذا العمل بمقدمة عرّفت فيها بإيفا وبجهوده في حقل الدراسات الإسلامية، وقصة التحاقها بالإسلام عبر بوابة التصوف، ومساهمتها في تثقيف العالم الإسلامي فضلاً عن جهودها في أوروبا، وركزت بشكل خاص على مساهمتها العلمية في مصر ولقائها بالأساتذة المتخصصين في الآداب الشرقية ومشايخ الأزهر. كما تناولت في مقدمتي حضور الرومي في المغرب، ومساهمات عائشة موماد في هذا الجانب.
مولانا جلال الدين الرومي:
هذا الكتاب التعريفي في أصله محاضرة كُتبت باللغة الألمانية، ثم نشرت ترجمته أنّا ماري شيمل باللغة العربية قبل أكثر من أربعين عامًا، حينما طالعت نصّ المحاضرة وجدتها مفيدة في بساطتها ووضوحها للتعريف بالرومي، فقدّمت لهذه المحاضرة تعريفًا بجهود أنّا ماري شيمل في الدراسات المولوية، وعلّقت على جميع موضوعاتها، بحيث تكون المحاضرة بمثابة دليل لمن أراد أن يتعرّف على الرومي ويتعمّق في دراسته، وكنتُ أحيل دومًا على مصادر أساسية تناولت سيرة الرومي وأعماله.
ردّ المفتري عن الطعن في الششتري:
كتب العارف النابلسي هذه الرسالة شارحًا نصوص أبي الحسن الششتري المعروف بأزجاله وموشحاته، ومن المعروف أن الششتري كان صوفيًّا طيّارًا يرتحل من مكان إلى مكان، وله عدة قصائد كانت مثارًا لجدل قديم بين الصوفية والفقهاء، من أمثال: تَأدبْ بِبَاب الدَّيْر واخْلَعْ بِهِ النَّعْلاَ… وَسَلّمْ عَلَى الرُّهبَانِ واحْطُطْ بِهْمَ رَحْلا…. وعَظَّمْ بِهِ القسيسَ إِنْ شئتَ خُطوةَ وكَبِّر بِهِ الشَّمَاسَ إِنْ شِئتَ أَنْ تَعْلا. حاول النابلسي أن يشرح ما تعلّق بالاصطلاحات المسيحية بلغة صوفية، ولمّا رأيت أن هذه الرسالة هامة في درس تمثّلات المسيحية في التراث الصوفي قمت بتحقيقها ودرسها، وقدّم لها الأستاذ الدكتور محمد بلال أشمل من المملكة المغربية.
مهمات الواصلين من الصوفية البالغين:
إن أكثر النصوص الصوفية الشهيرة تتناول جملة من القضايا اعتاد القارئ العربي على مطالعتها عن تصور الصوفية لله ورؤيتهم للعالم وخواطرهم حول الكتاب المبين، لكن هذا الكتاب يتميّز بتجسيده لتجربة ذاتية لصوفيّ كتب باللغتين العربية والفارسية، وفسّر القرآن ملتفتًا إلى جواهر الكَلِم ونافذًا إلى أعماق النصّ، كتب الديلمي عن دلائل النبوة، وإصلاح الأخلاق، وشرح جزءًا من سر أنفاس الصوفية، ودوّن واقعاته ومخاطباته في القرن السادس الهجري. أهملت أغلب هذه الأعمال وطواها النسيان رغم كتابة أرثر آربري Arthur Arberry عن الديلمي وأعماله، لذا سنحاول عبر سلسلة التراث الصوفي التي نعمل عليها أن نقدّم جملة من أعماله، وأول هذه الأعمال كتاب مهمات الواصلين من الصوفية البالغين، وهو على قسمين، قسمٌ جعلناه لتحقيق النص، والقسم الآخر قدّم علاء ربيع ترجمة لما كُتب عن الديلمي في الدرس الغربي.
سفراء التصوف في العالم الإسلامي:
حينما طالع الأستاذ العقّاد أشعار عبد الوهاب عزّام وخواطره التي كتبها في الهند وباكستان، أشاد بشاعريته وعذوبة كلماته وجزالة معانيه، وكتب عن تصوّف عزّام الذي يظهر جيدًا في حياته ومطالعاته وترجماته، وأطلق عليه وقتها (السفير الصوفي) فإضافة إلى كونه كان سفيرًا لمصر في عدد من الدول العربية والإسلامية، لا بد وأن يكون سفيرًا للتصوف بما قدّم للقارئ العربي من آداب الأمم الإسلامية ناقلاً للأشعار والكتابات عن التركية والفارسية والأوردية. وإذا جاز لنا أن نطلق هذا الوصف (السفير الصوفي) على عزّام، فإنه وعلى الرغم من كونه رائدًا من رواد الدراسات الشرقية، لا يختص بهذا الوصف وحده، بل يصحّ أن نطلقه على مجموعة من الأساتذة والدارسين الأوائل الذين قدّموا للأمة العربية الكثير من المعارف، عُرف بعضهم وغابت سيرة البعض مع مرور الأيام.
من هنا جاءت فكرتي لتخصيص سلسلة تحمل عنوان: (سفراء التصوف في العالم الإسلامي) وقد انعقد العزم على العمل عليها منذ أعوام خلت، فجمعت أعمال هؤلاء الأساتذة المتناثرة في الدوريات والمجلات ورتبت بعضها بغية نشرها في كتاب، إلاّ أنني اندهشت بالفعل من كمّ إنتاج (السفراء المنسيين) من أمثال الشيخ الصاوي شعلان ومحمد غنيمي هلال ومحمد عبد السلام كفافي، فقد شاركوا بالكثير من المحاضرات والمقالات وراحوا يعرّفون بأعلام التصوف الفارسي والأوردي والتركي، ومن أسف أن أغلب هذه الأعمال لم تعد معروفة اليوم. لذا خصصت الكتاب الأول للشيخ الصاوي شعلان، وجمعتُ فيه عددًا وفيرًا من ترجماته لآثار مولانا جلال الدين الرومي التي لا يعرفها كثير من القرّاء العرب.
نصوص ودراسات أخرى في التصوف قمت بالعمل عليها، مما جعل غير واحد من الأساتذة الأجلاء والمساهمون في الدرس الصوفي أن يزودوني بجزء من أعمالهم لنشرها، منهم الشيخ التركي عثمان نوري طوبّاش الذي أذن لي بطبع كتبه ونشرها، وبالفعل أصدرنا عملين من أعماله في بيروت، كذلك ساهمت الأستاذة الدكتورة سعاد الحكيم بعمل هام عن التصوف والمرأة يعد مساهمة هامة في هذا المجال، فإنه باستثناء بعض الأعمال المترجمة عن هذا الموضوع ككتاب رحال بوبريك ‘بركة النساء’ و’الصوفية النسوية’ وبعض الورقات المنشورة في الدوريات كورقة أنا ماري شيمل التي جعلتني أقترح على لميس فايد ترجمة ‘روحي أنثى’ لشيمل وبعض بحوث أنجزها إخوة مغاربة مثل ‘نساء التادلي’، ورسالة علمية أجيزت قبل سنوات عن النسوة المتعبدات، لم يكتب في موضوع المرأة في التصوف إلا القليل ومن هنا كان اقتراحي على أستاذتنا الكريمة سعاد الحكيم أن تقدّم شيئا في هذا المجال يليق بالقارئ العربي. والمميز في كتابات الدكتورة أنها تجمع المعرفة والسلوك .. فكان أن عملنا معا على تحرير مجموعة من البحوث والدراسات التي أنجزتها على مدى سنوات وصدر الكتاب في طبعة جيدة في لبنان بعنوان: المرأة والتصوف والحياة، وقد نُشر تقديمه في مجلة الفلق بسلطنة عمان.
كذلك زوّدنا الأستاذ الدكتور توفيق بن عامر بكتاب مدخلي ودراسي يحسن بكل قارئ أراد أن يتعرّف على علم التصوف قراءته، ونشر الكتاب بعنوان: التصوف الإسلامي حتى القرن السادس الهجري. كما لم يقتصر النشر على دراسات الأساتذة المعاصرين، بل التفتنا إلى دراسات أعلام كبار كالشيخ عبد الحليم فنشرنا دراسته عن رينيه غينون، وكذلك فعلنا مع دراسات الأستاذ الدكتور محمد كمال جعفر، ونشرنا نموذجًا من دراساته خصصه لدراسة صوفي أندلسي، وعزمنا على متابعة التقليد المصري في الاهتمام بترجمات آداب الأمم الشرقية، وقد تفضّل الأستاذ الدكتور سمير عبد الحميد مدّ الله في عمره بتزويدنا ببعض ترجماته، وكذلك عزمت الدكتورة فاطمة الزهراء من كلية دار العلوم على نشر ترجمتها لكتاب أشعة اللمعات، ولا يزال عملنا مستمرًا بفضل الله، ونرجو أن تصل هذه الثمار إلى كل مهتم بالآداب الصوفية.