الكاتب: مرتضى بن حسن بن علي
ضمن أية محاولة جدية لإعادة الأمل للخليجين، وبث الحياة من جديد إلى مجلس دول التعاون – في ظل التغييرات الكبيرة والسريعة الحاصلة في العالم- ينبغي على دولها التركيز على جبهاتها الداخلية، وتمتينها وتقويتها علميا واقتصاديا واجتماعيا، وإقامة دولا عصرية وليست دول معاصرة فقط، والاعتراف بواقعية الجوار، والتخلي عن سياسة المواجهة، والحرص على التعايش مع الجيران، وتجنب التصعيد غير الضروري مهما بلغت الخلافات، والتخلي عن عقيدة هدم الآخرين. لقد هُدّمت العراق وسوريا واليمن، وتم جلب تركيا إلى الخليج، كما تم جلب إيران أكثر فأكثر للحدود، وصولا إلى شواطئ البحر المتوسط، وتقوية مركزها ونفوذها بدل العكس، كما هُدّمت قبل ذلك الصومال، والسودان، وليبيا، في الوقت الذي كان من المفروض مساعدتها لتتجاوز مشاكلها والسمو فوق جراحاتها، كما عليها أن تُعيد النظر في مجمل علاقاتها مع بعضها البعض، ومع دول الجوار المحيطة على أسس جديدة، وتجنب الاعتماد على أحلاف غير منطقية ومكلفة، أحلاف تثق في الخارج أكثر من ثقتها في الداخل أو في دول الجوار، الوضع الداخلي لا بد أن يكون الأقوى، والشعب يكون هو الحلف الحقيقي لحكوماته؛ لأن الشعب القوي معناه حكومة قوية، والشعب الضعيف يعني حكومة ضعيفة، لا بد لدول الخليج أن تعي أن ظلال الجغرافيا والتاريخ ثابتة بينما ظلال البوارج والصواريخ متحركة.
أكثر دول الخليج لم تتوقع التوقيع على الاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى، وهو الاتفاق الذي هدّم عددا من العقائد الخليجية، منها عقيدة: أن الغرب معها وضد إيران، فالدول ليست جمعيات خيرية بقدر ما هي تمتلك أجندة مختلفة وواسعة من المصالح واستراتيجياتها لا تتميز بالثبات بل متغيرة إذا اقتضت المصالح واختلفت الأطراف، ذلك يعني أن تتجنب دول الخليج من التركيز الدائم عن حلفاء في الخارج، والذي يتطلب منها تخصيص موازنات ضخمة، في وقت تقل إيراداتها وتزداد الحاجة إلى الأموال لبناء الداخل ومواجهة التحديات الجديدة.
على الرغم من سياسات الرئيس دونالد ترامب وتوجهاته الحالية، فليس هناك دليل أو ضمان أنه لن يبدّل سياساته أو أن يأتي رئيس جديد من بعده وينتهج نهجا مختلفا، عدد من المراقبين والمحللين يزعمون أن ترامب يتميز بتقلباته الشديدة، التي تختلف بين لحظة وأخرى، إضافة إلى ذلك فإن ترامب سبق له رفع شعار “أمريكا أولا” بوضوح كما سبق لاوباما وغيرهم رفعه، وفِي كل الأحوال فإن كثيرين من المراقبين يعتقدون أن الذين يتوقعون عملا عسكريا ضد إيران مثلما كانوا يتوقعون سابقا؛ سوف يصابون بخيبة أمل، إذ من الأرجح أن لا تتعدى الضغوط الأمريكية الإطارين الدبلوماسي والاقتصادي، مثلما صرح وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتس، كما هناك من يعتقد في واشنطن بضرورة حث دول الخليج على إعادة النظر في سياساتها إزاء المشاكل الإقليمية، لا سيما سياساتها تجاه قطر، واليمن، والوضع في لبنان، والذي قد يعني عدم تطابق سياسات واشنطن مع سياسات بعض دول الخليج في ملفات عديدة، في الأخير فإن هناك قوى عديدة ومؤثرة في الكونغرس ووزارات الخارجية والدفاع الأمريكية إضافة إلى رأي الجيش والاستخبارات، كما هناك تساؤلات عديدة حول الدور الذي يلعبه جاريد كوشنر صهر الرئيس ترامب ومستشاره في البيت الأبيض، عدد من تلك الآراء قد لا تتفق مع رأي ترامب، وكثيرون يعتقدون صعوبة بقاء الولايات المتحدة على قيادة العالم منفردة أو ممارسة دور الشرطي على الدوام وفِي كل مكان، وسياسات وزير الخارجية الأمريكي تيلرسون أقرب للمزاج الأوروبي منها إلى سياسات ترامب ، وكل ذلك يستوجب على دول الخليج أن تراهن على قوتها الناعمة، وأن تتوسع في مصادر أصدقائها والتقليل من أعدائها، ليس هناك ما يضمن استمرار دعم الرئيس الأمريكي لتوجهاته الحالية، وقد يكون رهينة للتطورات السياسية المتسارعة في الداخل الأمريكي أو في مناطق أخرى ككوريا الشمالية على سبيل المثال، علينا أيضا أن نفكر في التحول الاستراتيجي الأمريكي الحاصل من تحويل التركيز على الشرق الأوسط إلى التركيز على منطقة آسيا والمحيط الهادي، سوف يكون صعبًا على الولايات المتحدة أن يستغرق إقليم واحد وقتها كله، وسوف تفكر في الوقت المناسب لخطوة للوراء وإعادة التقييم، ولن تسمح أن تبتلع الأحداث في الشرق الأوسط كل أجندة أعمالها.
ومن جهة أخرى فإن استمرار التهديد بإلغاء الاتفاق النووي مع إيران، سوف يؤدي إلى تعميق الخلافات بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، وكذلك مع روسيا والصين، ودولاً أخرى مؤثرة، وهذا الوضع -حال حصوله- سوف يمنح طهران فرصة ذهبية لتحقيق اختراقات حقيقية داخل هذه الجبهات المنقسمة.
علينا الأخذ بعين الاعتبار أو على الأقل عدم استبعاد فرضية بذل محاولة أقوى لإعادة إيران في المنظومة الدولية وإدارة منظومة دبلوماسية جديدة، وهذا راجع للتحول الكبير الذي تشهده إيران، حيث تصبح الحالة الدينية تدريجياً جزءًا من الماضي وظهور جيل جديد يتبنى الفكر القومي الحداثي أكثر من الديني، ربما القوى الغربية سوف تبذل محاولات أكثر لتغليب جناح روحاني على منافسيه من الحرس القديم، وتتعلم من الأخطاء التي ارتكبتها أثناء فترة الرئيس محمد خاتمي.
وفي حالة المواجهة المستمرة تتطلب من دول الخليج الانتباه والتركيز على عملية التحول الحاصلة في منظومة الدول الغربية من العسكرة إلى الدبلوماسية، وذلك تحت ضغط المعاناة من تكاليف الحروب وإدارة التراجع الذي تعانيه القوة الأمريكية لصالح الدبلوماسية، وتقديم السياسة وإعطائها مجالا متقدما على الحرب، والولايات المتحدة ليست مستعدة أن تضحي بأموالها ولا بأبنائها، وفِي كل الحال فإن حروبها بدأت تتجه إلى حروبًا بالوكالة بأموال ودماء الآخرين.
وعلى الرغم من عشرات المليارات من الدولارات التي صرفت على هدم سوريا واستنزافها، فإن دول الخليج تبدو على وشك أن تخسر جنيف السوري بعد أن خسرت جنيف النووي الإيراني، فالدول التي راهنت على ضربة أمريكية ضد سوريا أصيبت بالإخفاق والغضب بعد أن أدركت أن الضربة المتوقعة بعيدة المنال، وأنها استبعدت بعد أن أدركت الولايات المتحدة أن الغرب لن يؤيدها، ولن يتدخل بأكثر من اللازم لإزاحة الأسد، ونتيجة لذلك تزايدت قوة إيران التفاوضية، كما استفادت إيران من التطورات في العراق ولبنان وعلى جبهات أخرى، ربما قد يخطر في بال الغرب يوما ما أن يجعل ايران أداة لمكافحة الإرهاب، وشرطي المنطقة، فكل شيء في السياسة ممكن.
وليس مبالغا القول: أن دول الخليج حاليا هي أضعف نقطة في المنطقة، مع كل الثروات التي حصلت عليها، ومع قرب انتهاء الجزء الأكبر من القتال ضد المجاميع المسلحة في العراق وسوريا، فإن هناك احتمال أن يعود قسم كبير من المقاتلين إلى بلدانهم، وربما يقومون بأعمال إرهابية في بعض مناطق الخليج. إضافة إلى كل ذلك فإن النفط الذي كان في يوم من الأيام موردا يحاول الغرب السيطرة عليه، والدفاع المستميت عنه، أصبح سلعة يفقد أهميته في مجال الطاقة أمام تطور مصادر الطاقة الجديدة والزاحفة بسرعة كبيرة، والذي يعني أن الغرب بصورة عامة لم يعد في حاجة إلى نفط الخليج، ومعه تنتفي أهمية الخليج كمنطقة استراتيجية بالنسبة للغرب.
كل ذلك سوف يؤدي إلى تراجع مكانة دول الخليج الاستراتيجية، والتقليل من أهميتها على المستوى العالمي، الأمر الذي ربما سيدفع عددَا من الدول الآسيوية الصاعدة، مثل: الهند، والصين، إلى مزيد من التعاون مع إيران، مؤديا بالمحصلة إلى تزايد أهمية إيران في نظر تلك الدول، كما ستدعم خطوط بعض الدول الخليجية السياسية والاقتصادية مع إيران، بل تعزيزها تحسبًا لأية تطورات مستقبلية، وقد تتشكل محاور داخل الخليج، كل محور يتبع سياسات مختلفة والتحوط من المحور الثاني من خلال تعزيز الروابط مع القوى الفاعلة الأخرى في المنطقة أو تخومها وإلى قيام حركات، مثل: حماس، والجهاد الإسلامي، وحركة الإخوان المسلمين نحو الاقتراب من إيران، ويمكن لطهران استغلال هذه الظروف؛ من أجل توسيع نفوذها في المنطقة.